على مدار سنوات طويلة تجاوزت العشرين يؤسس هانى القط مملكته السردية بثقة وهدوء بعيدا عن الصخب الدائر والصراع الوهمى بين الشعر والسرد والإيمان أو الإنكار لمقولة «زمن الرواية» و»أزمة الشعر» وبعيدا عن المساحات الضيقة التى يصنعها النقد الزائف أو بالأحرى المتواضع وتدشنها الصحافة الثقافية وتلهبها السوشيال ميديا لاسيما الفيسبوك وخلافاته المضحكة.. فالقط روائى وقاص وسارد ذكى وفطن يعرف من أين تؤكل «الحكاية!» ورغم أنه حصد جوائز كثيرة وهامة مصرية وعربية فنادرا ما يطنطن بها أو يحاول الوقوف عليها.. هو دائما ينظر إلى الخطوة القادمة كأنه فى كل عمل يبحث عن «حكايته» التى لم تكتمل بعد.. أصدر هانى عددا كبيرا من الأعمال السردية منها نذكر فقط: لا شيء فى المدي– مجموعة قصصية، 2001سماء قريبة – مجموعة قصصية – 2008، سيرة الزوال– رواية، 2009، العازف– مجموعة قصصية، 2019..غيرها.. كما فاز بجائزة الثقافة الجماهيرية فى القصة، 2008 وفى الرواية 2010 وبالشارقة للإبداع العربى فى الرواية، 2009 وجوائز أخرى ومؤخرا أصدر رائعته السردية «تاج شمس» التى لاقت قبولا واستحسانا واسعا وناقشها وكتب عنها عدد كبير من النقاد.. وهنا نحكى مع القط عن تاج شمس وعن علاقته بالكتابة وأمور أخري
< ما هو النموذج الروائى الذى تمثلته عند كتابتك لـ»تاج شمس»، إن كان قد حدث ذلك؟
يبدو سؤالك الماكر استفزازيًا إلى حد بعيد، يشبه تمامًا توجيه سؤال لطالب حصل على درجة عالية: من أى ورقة زميل حصلت على أجوبتك؟ أيها المحاور الماكر… ليس فى الكتابة نموذج محدد وليس لها كتالوج، وإن صنع ذلك كاتب، فهو مقلد لا مبدع. الكتابة تأتى بأحوالها وتجلياتها المحطمة لكل الأطر وكل النظريات. على مستوى التوصيف، أعتقد أن «تاج شمس» لا تتمثل نظرية مكتملة؛ فلا يمكن الجزم بأنها ملحمة رغم احتوائها على بعض عناصر الملحمة، ولا هى سلكت دروب الواقعية السحرية، برغم ما فيها من سحر. يمكنك أن تسميها رواية مبصرة، رواية خُلِقَتْ من قطع بازل لتكون صورة كبيرة عن «تاج شمس» وما حدث فيها.
< مدى انتباهك أو حرصك على أن تصلح الرواية لمعالجتها دراميًا للشاشة؟
يسرنى بالطبع أن تُقدَّم الرواية دراميًا، ولكن بمنطق الدراما. وللحق، لم يكن ذلك الأمر فى عقلى أثناء الكتابة، لأن تلك النظرة مفسدة. تصور معى أن تكتب فى نوع من الفن وعينك على فن آخر، بالتأكيد ستفسد تلك النظرة بناء عالم الرواية وتضبب جمالياته. الدراما شيء مهم لانتشار العمل بين شريحة لا تهتم بالقراءة، وربما يدفعهم رؤية العمل دراميًا إلى قراءته، وهذا شيء عظيم.
محطة فارقة
< هل تعتقد أن «تاج شمس» محطة فارقة فى مشوارك؟
المحطة الفارقة فى مشوارى لم تأتِ بعد، ويقينًا لن تأتي! لماذا؟ لأننى أضع ما كتبته وراء ظهري، وأعمل على الجديد بحماس وخوف، وبأمل كبير فى أن يكون ما أكتبه أفضل. وهكذا سيظل الأمر حتى كتابة نصى الأخير، حينها سيقول الزمن كلمته فى كل ما كتب.
< هل شغلتك الجوائز أثناء كتابتها؟
أن تكتب لجائزة، فأنت تكتب تحت قيد شروطها، وهو ما يتنافى مع فكرة الإبداع والخلق، التى تأتى الحرية كشرطها الأساسي. أنا أكتب لأن هناك أشخاصًا تتصارع بداخلي، تطلب أن تقيم حياة أخرى فى فضاء متخيل آخر، وبمجرد خروجها تكون أكثر تأكيدًا من الواقع. خلاصة الأمر: أنا أكتب بحرية ما أريد كتابته، ولو صادف أن ما كتبته حصل على جائزة سأكون سعيدًا، وإن لم يحصل لن أحزن ولن ألعن الجوائز.
< كيف ترى المشهد الروائى المصرى وأين ترى نفسك؟
هناك تنوع وإنتاجية كبيرة فى المشهد، تشمل أعمالًا تتفاوت فى الجودة الفنية والابتكار السردي؛ فمنها ما يثير الإعجاب، ومنها ما يفتقر إلى الأصالة أو العمق المطلوبين. الزمن هو الناقد الأعظم، والحكم الفصل. أما بالنسبة لي، فأنا أدرك تمامًا أن وجودى ككاتب يتطلب منى الاستمرار فى تطوير نفسى والبحث عن أبعاد جديدة للكتابة، حتى أتمكن من الإسهام بإضافة حقيقية لهذا المشهد. الزمن سيحكم، سواء على أو على غيرى من الكتاب، ولا أملك إلا أن أسعى لتقديم ما أؤمن بأنه يستحق البقاء. إن طموحى هو أن أكتب أدبًا يترك أثره، يتجاوز حدود اللحظة الحالية ويستمر فى التواصل مع أجيال قادمة.
< هل كنت تنتظر ذلك التقدير الفائق لـ»تاج شمس»؟
التقدير شيء لا يمكن أن يكون فى دائرة التوقعات أو الانتظار. فالكتابة بالنسبة لى هى عملية إبداعية خالصة، تنبع من ضرورة داخلية للتعبير عن أفكار ومشاعر تحتاج إلى أن تُقال. عندما كتبت «تاج شمس»، لم يكن فى ذهنى سوى السعى لخلق نص أدبى يحمل فى طياته ما يستحق أن يُقرأ ويُحاور، نص يفتح أبوابًا جديدة أمام القارئ ليتأمل فى ذاته وفى العالم من حوله.
لكن، بالطبع، عندما يأتى التقدير، فإنه يمنحنى شعورًا عميقًا بالامتنان والاعتزاز، ليس فقط لأن العمل قد لقى صدى إيجابيًا، ولكن لأنه يعنى أن ما حاولت التعبير عنه قد وجد طريقه إلى قلوب وعقول الآخرين.
إلا أننى أؤمن أن التقدير الحقيقى للنصوص الأدبية لا يظهر دائمًا فى اللحظة الراهنة. إنه يتبلور مع الزمن، حيث يصقل الزمن الأعمال الجيدة ويمنحها مكانتها المستحقة. لذلك، بينما يسعدنى التقدير الذى حظيت به «تاج شمس»، فإننى أظل مستمرًا فى رحلتى الإبداعية، مستندًا إلى إيمانى بأن الكتابة الجادة والصادقة ستجد طريقها إلى من يقدّرها، سواء كان ذلك الآن أو فى المستقبل.