فى المجتمعات الواعية لا يسمح لأحد بالحديث أو العمل أو «الفتوي» إلا فيما تخصص فيه وأتقنه وأجاده وأصبح قادرا على العطاء فيه.. لكن للأسف لا يزال البعض عندنا يتعامل بفهلوة مع كل التخصصات، ويحشر أنفه فيما لا يعلمه، أو يبحث لنفسه عن فرصة عمل فى أى مجال سواء كان يجيده أو يجهل أصوله وقواعده وطرق التعامل الصحيح معه.
العقل والمنطق يؤكدان أننا لا نلجأ فى أمور ديننا إلا إلى علماء الدين الذين درسوا وتخصصوا فى فروع العلوم الدينية المختلفة، ولا نلجأ الى غير العلماء المتخصصين فى الأمور الشرعية لاستفتائهم فى أمور الدين لأن هؤلاء سبب ما نعانى منه من اضطراب فى ساحة الافتاء، ومن خروج على تعاليم الإسلام فى العديد من أمور حياتنا.
فى عصر الانفتاح الإعلامى وانتشار مواقع التواصل الاجتماعى انتشر «الدجل الديني» وانتشر الحديث فى أمور الدين دون علم، وانتشر التشدد الذى أبعد كثيرا من الناس عن هداية الدين.. وكل هذه الآفات التى نعانى منها تحتاج إلى مواجهة مجتمعية.. والحمد لله الشعب المصرى متدين بالفطرة وحسه الدينى يجعله يلفظ كل من يقدم له صورة غير حقيقية للدين.
>>>
سألت العالم الأزهرى د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر عن تداعيات تصدى غير المتخصصين للحديث فى أمور الدين.. فقال: للأسف تصدى غير المتخصصين للحديث فى أمور الدين وإفتاء الناس والكلام عن الحلال والحرام والمباح والمحظور هو سبب كل المصائب التى نعانى منها فى ساحتنا الفكرية والثقافية الآن.. لا يجوز لمهندس أن يمارس مهنة الطب، ولا يجوز لكهربائى أن يقوم بأعمال السباكة، فى كل مجال الناس تحترم التخصص وتذهب الى المتخصصين إلا فى أمور الدين التى أصبحت ساحة مفتوحة لكل من يريد، وأنا هنا أعتب على بعض وسائل الإعلام التى تستضيف أشخاصا لا علاقة لهم بالعلم الشرعى ولا بعلوم الدين ليحدثوا الجماهير فى أمور الدين فيقودوهم الى الضلال والانحراف عن طريق دين الله المستقيم.. لذلك أناشد من خلالكم كل وسائل الإعلام أن تعتمد على المتخصصين الذين وصفهم القرآن الكريم بـ «أهل الذكر» أى أهل الاختصاص وعدم إفساح المجال لكل من هب ودب لكى يفتى الناس ويقول هذا حلال وهذا حرام، فالفتوى مسئولية أهل العلم وأهل الحق، والجماهير نفسها مطالبة بتجنب الأدعياء والدخلاء الجهلاء وعدم التوجه إليهم بتساؤلات دينية، والقرآن الكريم – وهو دستور حياتنا كلها – يطالبنا بذلك حيث يقول الحق سبحانه: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، وعلى وسائل الإعلام فى كل بلد إسلامى أن تفسح المجال للعلماء المتخصصين فقط حفاظا على المجتمع.
يضيف: والواقع أن وراء ظهور هذه النوعية «الجاهلة» للحديث فى أمور الدين خطة ممنهجة لتشكيك المسلمين فى ثوابت دينهم وصرفهم عن العلماء الموثوق فى علمهم.. وأنا هنا أحذر.. يجب مواجهة هؤلاء بكل حزم، بلادنا مؤمنة بالفطرة، ولا تقبل مساسا بثوابت الإسلام، كما لا تقبل المساس بأئمة الإسلام ووصفهم بأوصاف لا تليق بإنسان مسلم فضلا عن ان يكون علما من كبار العلماء وإماما من أئمة الإسلام.. وعلى الجميع أن يدرك أنه ليس من مصلحة المجتمع ترك بعض المخرفين يشككون الناس فى ثوابت وأحكام دينهم، ويحجبونهم عن هداية رسولهم الكريم فأمن مجتمعاتنا العربية مرهون بحماية دين الله الخاتم، والدفاع عنه، ومنع كل الأدعياء من الحديث عنه دون علم، ومحاولة تغيير ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
>>>
منذ أيام طلب منى صديق ترتيب لقاء له مع أحد علماء الأزهر ليذهب إليه بصحبة ابنه الشاب الذى لعب أحد أدعياء العلم الشرعى «ويعمل ميكانيكى سيارات» فى عقله وصرفه عن التعامل مع غير المسلمين فساعدته فى ذلك حرصا على مستقبل ابنه الفكري، وحرصا على استقامة سلوكه الديني، فديننا الإسلامى أقام كل صلات المودة والرحمة والتسامح مع أصحاب الديانات الأخرى، وموقف الإسلام من أتباع الديانات السماوية هو ما نص عليه رب العزة فى قوله تعالي: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم حقوق أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون معنا تحت سماء واحدة وأرض واحدة واختلطت دماؤنا معا فى الحروب دفاعا عن الوطن، ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ظلمهم فقال: «ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه إلى يوم القيامة»، ومعنى هذا أن أتباع الأديان لهم ما لنا وعليهم ما علينا لا يظلمهم أحد ولا يعتدى عليهم أحد، فالإسلام أمر بالمعاملة الحسنة معهم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم محذرا من إيذائهم: «من آذى ذميا فأنا خصيمه».
>>>
للأسف.. كثير ممن يتحدثون فى الدين لا يؤخذ عنهم العلم الشرعي.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» الحديث رواه البخارى ومسلم.
لذلك.. نصيحتنا للجميع: ارجعوا فى أمور دينكم الى علماء الأزهر الذين درسوا وتأهلوا جيدا للحديث فى أمور الدين، ودعكم من هؤلاء الذين قرأوا بعض الكتب وتوهموا أنهم أصبحوا علماء ودعاة من حقهم أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام.. وهذه سنة وتلك بدعة.
العلم الشرعى لا يؤخذ عن كل من هب ودب، وإنما يؤخذ عن أهل العلم الصادقين، العاملين به، ويؤخذ من العلماء الربانيين.
يقول محمد بن سيرين وهو رحمه الله: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».