هل يرتبط الحب بالألم؟، أو بمعنى أدق هل الحب يقود الانسان للألم؟.. رغم أن للحب أنواعاً عديدة.. لكن يبقى الصدق أعظم ما يميز الحب لدينا حب فطرى قذفه الله سبحانه فى قلوب الآباء والأمهات لابنائهم.. حب يعيش فى الوجدان مدى الحياة.. الاكثر من ذلك ان الله سبحانه حذر الأبناء من مجرد تأفف من الوالدين أو اسماعهم قولاً سيئاً.. »ولا تنهرهما«.. أى لا يصدر منك أى فعل قبيح أو غير لائق لهما.. تصديقاً لقوله سبحانه: »إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً«، أى كلمهما بتأدب وتوقير عظيم.. وقد قرن الحق سبحانه عبادته ببر الوالدين فقال: »وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا«.. وفى آية أخرى قال: »أن أشكر لى ولوالديك إليّ المصير« لقمان 14، وعندما سأل ابن مسعود رسول الحق صلى الله عليه وسلم أى العمل افضل؟، قال: »الصلاة على وقتها«، قال: ثم أي؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »بر الوالدين«، قال ابن مسعود: ثم أي؟، قال: »الجهاد فى سبيل الله«.. وهو ما يعنى أن بر الوالدين مُقدم على الجهاد فى سبيل الله.. وقد تكرر فى القرآن 7 مرات بر الوالدين بتوجيهات وأوامر صريحة.. قال لقمان لابنه: »يا بنى ان الوالدين باب من أبواب الجنة إن رضيا عنك مضيت إلى الجنة وإن سخطا عليك حجبت عنك«.. ويبقى السؤال: لماذا الكتابة عن الحب والألم؟.. كنت أقرأ الكتاب البديع »أمهات فى المنفي« للكاتب المبدع يوسف جوهر، الذى لخص لنا حجم الألم والمعاناة الذى يعيشه الآباء أمام جحود ونكران الأبناء.. فى 273 صفحة حجم الكتاب.. يصف لنا النهاية الحزينة المؤلمة للأم داخل دار المسنين.. بعد أن اقنعتها ابنتاها بضغط من زوجيهما بإخلاء الشقة والانتقال لدار المسنين.. حتى يتمكنا من السفر والعمل بالخارج.. أمام الإلحاح والإصرار، رضخت الأم وانتقلت لدار المسنين.. بينما سافرت ابنتاها وزوجاهما وأولادهما فى البداية تلقت الأم من بنتيها خطابات كثيرة.. بتأكيدات انهما عند وعدهما بالحضور للعودة بها وجمع الشمل.. ثم تراخت الرسائل.. وتلاشى الوعد.. حتى توقفت تماما.. وأجهدها الانتظار.. نال منها.. فقدت الشهية للطعام وايضا الرغبة فى الحديث.. وثقلت حركتها ولزمت حجرتها كالمريضة.. وفحصها الطبيب.. ولم يجد بها أى مرض.. وفشل فى التشخيص.. فإن مرضها صعب جدا.. انه مرض لعين وخطير.. انه »انكسار القلب«!.. وبدأت صفية تتبادل مع أصحابها فى دار المسنين شكوى الزمان.. وكيف أخرجها زوجا بنتيها من شقتها لكى يستوليا على المال!.. كانت تذكر بنتيها بالصورة الوحيدة الباقية فى خيالها.. بأنهما كانتا جميلتين وطيبتين.. كان ألم الحب يغزو صوتها.. ثم سكتت فجأة.. سقطت.. ماتت.. كانت أماً.. ماتت دون أن تفقد عرش الأمومة.. لكنها احتفظت بأعظم المجوهرات.. الحب والألم.. وأنا أقرأ »أمهات فى المنفي«، تذكرت كلمات د.مصطفى محمود عن الحب.. عندما قال: إن الحب فى الزواج، عبارة عن سكينة وود وعدم وتفاهم بين الزوجين.. وأتعجب هنا كيف يتحول الحب إلى كراهية لا مثيل لها بين الزوجين عند الخلاف.. ويتكرر الذهاب إلى المحاكم.. ويستخدم كل طرف أدواته وأسلحته وتسقط الأقنعة.. ولا يوجد أى مانع من استخدام القائمة باتهامات كاذبة ملفقة لا أساس لها من الحقيقة.. وكل طرف وأسلوبه، الذى يكشف حقيقته.. نحن أمام ظاهرة تستحق الدراسة والانتباه.. لماذا تزايد معدلات الطلاق عندنا؟!.. من أجل المكاسب.. أو بسبب القوانين.. أو الشقة.. أو اشياء أخري؟!.. أقول إن أعظم وأقوى حب هو حب الله.. انه الحب الذى يمنح الحياة الآمنة المطمئنة.. وأمامنا نماذج بسيطة لا تعطيها الدنيا كثيراً.. لكنها تعيش فى اطمئنان غريب.. قلبها سعيد.. لا تعرف اليأس والقلق.. بسبب حب الله.. فإنه الحب الوحيد الذى لا يعرف الألم.. ادعوا معي: اللهم ارزقنا حبك.. وحب كل من يحبك.. وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.