مطلع الشهر الحالى كتبت مقالا فى هذا المكان تحت عنوان: «مصر وافريقيا.. العود أحمد» تحدثت فيه عن أهمية عودة مصر إلى القارة السمراء وعودة افريقيا إلى مصر خاصة بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم قبل عشر سنوات حيث حرص منذ اللحظة الأولى على تحسين العلاقات المصرية مع كافة دول القارة.
وللحق والانصاف أيضاً فإن الرئيس السيسى أعاد مصر لمكانها ومكانتها اللائقة بها بين الأمم واتجه إلى جميع أنحاء العالم خاصة الاتجاه جنوبا حيث القارة السمراء باعتبارها الامتداد الطبيعى للدولة المصرية، علاوة على تقوية العلاقات مع الدول الاسيوية وقبل ذلك كله مع الأشقاء فى الوطن العربى ولم تعد علاقات مصر قاصرة فقط على أوروبا وأمريكا كما كان الحال قبل تولى الرئيس السيسى مسئولية قيادة البلاد.
كنت قد تعرضت أيضاً فى المقال إلى الاتفاقية المهمة التى وقعتها مصر مع دولة الصومال الشقيقة لا سيما فى المجال العسكرى والامنى وما تبع ذلك من إرسال قوات ومعدات عسكرية مصرية للعمل على حفظ الأمن والاستقرار هناك، الأمر الذى آثار حفيظة وقلق البعض، بل وخوف البعض الآخر من التواجد المصرى فى تلك المنطقة الحيوية.
اليوم أعود للحديث عن أهمية عودة مصر إلى افريقيا وضرورة تواجدها هناك لا سيما فى منطقة القرن الافريقى ذات الطبيعة الخاصة والأهمية الكبري، خاصة بعد الزيارة التى قام بها مؤخراً الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة و دكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية إلى دولة إريتريا التقيا خلالها الرئيس اسياس افورقى حيث سلماه رسالة من الرئيس السيسى وكذلك تم تبادل وجهات النظر حول العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك سواء على المستويين الإقليمى أو الدولي.
تُولى مصر اهتمامًا كبيرًا بالقرن الافريقي، نظرًا لموقعه الجغرافى الإستراتيجي، حيث يطل القرن الافريقى على أحد أهم ممرات الملاحة الدولية فى العالم وهو البحر الأحمر، الذى يُعد حلقة الوصل بين القارات الثلاث: آسيا وافريقيا وأوروبا؛ بربطه بحر العرب، والمحيط الهندي، وخليج عدن، ومضيق باب المندب ذى الأهمية الإستراتيجية بقناة السويس التى تمثل ممرا إستراتيجياً مهما لمصر ولحركة التجارة الدولية حيث يمر من خلالها ما يقرب من 12 ٪ من التجارة العالمية. ونظرًا لأهمية المنطقة، نجد أن هناك مُرتكزات تتركز عليها الدولة المصرية فى تفاعلاتها الخارجية نحو القرن الافريقي، والتى تتمحور حول الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدولة المصرية تنخرط فى أزمات وقضايا المنطقة، لتحقيق عدد من المصالح الإستراتيجية.
يأتى ذلك فى الوقت الذى توجد فيه عدة اتجاهات رئيسية لهذه التحولات غير المسبوقة فى منطقة القرن الافريقى والتى تشمل مؤشرات ذات طبيعة داخلية، وأخرى ذات طبيعة إقليمية، فضلاً عن المؤشرات المتعلقة بالعوامل الدولية والخارجية، وتتمثل هذه المؤشرات فى إعادة تقييم دور الحدود باعتبارها من المحددات الرئيسية لطبيعة الإقليم، فى ظل تنامى «ظاهرة الأقاليم الانفصالية» على سبيل المثال، حالة تيجراى فى إثيوبيا، وأرض الصومال وبونتلاند وجوبالاند فى الصومال. فضلاً عن تجدد الصراعات الحدودية، مثل الصراع بين إثيوبيا والسودان فى منطقة الفشقة. بالإضافة إلى ذلك، تحولات الحدود الإدارية كمجال جديد للصراعات، مثل العلاقة بين بونتلاتد وأرض الصومال.
كما تشمل مؤشرات التحولات فى القرن الافريقى تعثر العمليات السياسية الطبيعية، وتغير آليات الصراع، وظهور دور المجموعات المسلحة دون الدول، وتحولات الإرهاب ومكافحته، وتغيير التركيب الدينى للإقليم، وانتشار الأنظمة السياسية الهجينة، وتمدد المجتمع المدنى الوطنى والعالمي، وتذبذب المؤشرات الاقتصادية والتنموية، وتداعيات تغير المناخ وتدهور البيئة، واضطراب توازنات القوى البينية الإقليمية، وتنامى أثر المنافسة الدولية على الأوضاع الداخلية للإقليم، وتعدد التصورات المتنافسة لموقع القرن الافريقى فى العالم.
أخيراً وليس آخرا نؤكد أن التحديات الكبرى التى تمر بها منطقة القرن الافريقى جعلت الدولة المصرية تعمل على بناء رؤية إستراتيجية مصرية للتعامل مع القضايا المُركبة فى المنطقة، كما نؤكد أن التحركات المصرية ليست قاصرة على مجرد السعى لحل أزمة سد النهضة، وإنما هى أعمق وأبعد من ذلك، حيث تهدف إلى استقرار حركة الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس، وتقويض نشاط التنظيمات الإرهابية، وإعادة التوزان الإستراتيجى للمنطقة بما يخدم المصالح المصرية والإقليمية، بل والدولية أيضاً.