تأشيرة «فوق الكثافة» أحد الأساليب التى اعتمدها وزراء التربية والتعليم خلال السنوات الماضية للتغلب على مشكلة الكثافات المرتفعة فى المدارس، وفالحصول على تأشيرة «فوق الكثافة» يعنى السماح بإمكانية التحويل لتلك المدارس سواء كانت حكومية أو رسمية لغات أو خاصة.
لكن كان يشترط فى تلك النوعية من التحويلات أن تكون موقعة فقط من وزير التربية والتعليم أو محافظ الإقليم، الا أن الزيادة المتوالية فى أعداد التلاميذ فى العديد المناطق، جعل تلك التأشيرة الباب الوحيد أمام أولياء الأمور من أجل نقل أبنائهم إلى مدارس قريبة لمحل سكنهم.
قبل أيام قليلة من بداية العام الدراسي، اشتعلت تلك المشكلة نتيجة لتوقف ديوان الوزارة عن إصدارها فالوزير محمد عبداللطيف لم يصدر أى تأشيرة كما امتنع المحافظون عن التوقيع على تلك النوعية من الطلبات، الامر الذى قابله إصرار مديرى المدارس على عدم قبول التحويلات الا بوجود تلك النوعية من التأشيرات.
أولياء الأمور من جانبهم، اعتبروا منظومة التحويلات الإلكترونية فى مديريات التعليم سبب الأزمة لانها تجبرهم على تسكين أبنائهم فى مناطق بعيدة عن محل السكن، وبالتالى ترفع من تكلفة الأعباء المالية عليهم أو تجبرهم على عدم الحرص على انتظام أبنائهم فى الدراسة بشكل يومي.
«الجمهورية» رصدت عينة من الشكاوى فى نطاق محافظات القاهرة الكبرى الذين عجزوا فيها أولياء الأمور على نقل أبنائهم، واستطلعت آراء خبراء وقيادات تعليم سابقة حول تلك الظاهرة التى استفحلت خلال السنوات السابقة، ومقترحاتهم لحلها.
فى البداية، يقول ولى امر الطالب معاذ محمود انتقلت منذ عامين من منطقة شبرا الخيمة الى مدينة السادس من أكتوبر وقمت بنقل اثنين من اولادى فى المرحلة الاعدادية وتبقى ابنى الثالث بالصف الثانى الابتدائى، وحاولت كثيرًا نقله مع اخوته بنفس المدرسة أو مدرسة مجاورة لكن المسئولين طلبوا تأشيرة فوق الكثافة من الوزير، ورغم اننى حاولت كثيرًا الحصول عليها لكنى فشلت، مضيفًا اننى مقيم حاليًا فى أكتوبر، ونجلى مازال مقيداً فى مدرسته القديمة بشبرا ولم يذهب للمدرسة طوال العام الماضى. يقول زين عز أمين ولى أمر انتقلت للإقامة من محافظة قنا فى جنوب الصعيد إلى مدينة الرحاب بسبب ظروف عملى وعندما قدمت لأولادى فى إحدى المدارس الخاصة الواقعة بجوار محل سكنى طالبتنى المدرسة بإحضار تأشيرة فوق الكثافة من الوزير، وهو ما عجزت عنه حتى الآن.
نفس القصة تكررت مع نبيل محمود ولى أمر بالجيزة الذى أشار أنه تقدم بطلب لنقل ابنته من مدرسة خاصة إلى مدرسة رسمية لغات بسبب الظروف الاقتصادية وذلك عبر الموقع الإلكترونى لمديرية التربية والتعليم بالجيزة، إلا انه فوجى أن الموقع يضع له اختيارات لمدارس بعيدة عن محل سكنه ويستلزم الوصول إليها أكثر من وسيلة مواصلات، وهى مسألة لا يستطيع تنفيذها نظرًا لظروف عمله.. أما حازم محمد سمير ولى أمر طالبين فى المرحلة الإعدادية والصف الأول الثانوي، فقال أنه اضطر إلى نقل مقر اقامة أولاده من مدرسة رسمية لغات تابعة لإدارة غرب القاهرة التعليمية إلى منطقة حدائق أكتوبر، يضيف: تقدمت بالأوراق الرسمية وعشت رحلة عذاب فى اعداد الأوراق وختمها من الجهات المختصة، علاوة على التقديم إلكترونيًا، ألا اننى فوجئت بأن قبوله فى المدرسة التى ارغب فى نقله إليها يستلزم الحصول على تأشيرة فوق الكثافة من وزير التعليم أو المحافظ، بالنسبة لنجلى الذى يدرس فى المرحلة الإعدادية، بينما نجلى الآخر المنتقل للصف الأول الثانوى فعليه انتظار موافقة اللجنة الخماسية فى ديوان وزارة التعليم على التحويل، ولا نعلم حتى الآن ماذا نفعل رغم تبقى أيام قليلة على بداية الدراسة.
أكد سيد سويلم خبير تربوي، ووكيل وزارة التعليم الأسبق: أن مشكلة التأشيرات «فوق الكثافة» أصبحت ظاهرة عامة فى العملية التعليمية.
أشار أن وزارة التعليم، هى المسئول الأول عن تلك المشكلة عبر السنوات الماضية، لأنها جعلت الموافقة على النقل فوق الكثافة امر متروك للوزير فقط حيث ينصح أصحاب المدارس الخاصة ومديرو المدارس الحكومية أى ولى أمر بإحضار تلك النوعية من التأشيرات لكى يقبل طالب فوق الكثافة المقررة التى تبلغ نسبتها 10 ٪.
أضاف أن تلك النوعية من التأشيرات، كانت فى البداية ضمن مهام مسئول الاتصال السياسى فى الوزارة الذى كان يعرضها على لجنه خماسية لاتخاذ القرار ومع الوقت أصبح الامر يصدر دون معايير لكن الامر انتشر بشكل كبير واصبح يمثل مشكلة كبيرة ضمن المشاكل التى تواجها الوزارة حيث تخرج الوزارة كل عام آلاف من تأشيرات فوق الكثافة. أكد ان هذه الظاهرة يجب ان تنتهى وأن تصبح التحويلات لا مركزية، وأن تتولى كل مديرية مسئولية التحويل من ادارة الى ادارة حسب القواعد والقوانين التى توفر الامان والحماية والراحة للطلاب ولذلك حسنا فعل الوزير بعد اصدار مثل هذه التأشيرات.
بذلك تنتهى تلك الظاهرة، لأنها تلقى بأعباء متصاعدة على كاهل وزير التعليم، وتفتح الباب أمام الواسطة والمحسوبيات.
اتفق معه ياسر عمر وكيل وزارة التعليم السابق والمستشار بمدارس 30 يونيو، الذى أكد أن مشكلة التأشيرات فوق الكثافة، اصبحت من أهم مشاكل التعليم فى الوقت الحالي، والتى يجب التصدى لها، موضحا أن تلك الظاهرة بدأت منذ عدة سنوات كنوع من الترضية لبعض النواب لإرضاء ناخبيهم لكن نطاقها كان ضيقاً فى البداية لان أولياء الأمور لم تكن تقبل على التعليم الرسمى لغات أو الخاص بكثافة كما يحدث الآن، لكن سرعان من انتشرت بقوة مع انتشار المدارس الرسمية لغات التى كانت تعرف باسم « التجريبيات « فى السابق، الامر الذى أدى لان تصبح وسيلة لعدم تكافؤ الفرص بين أولياء الامور حيث يستطيع من يحصل عليها تحويل ابنه بينما تضيع الفرصة أمام من لا يعجز فى الحصول عليها.
المدارس خلال الأعوام الماضية، كانت مليئة بتلك النوعية من التأشيرات، وهذا الامر وضع القيادات التنفيذية من مديرى المديريات فى المحافظات والإدارات التعليمية فى أزمة كبيرة.
أكد أن الحل الوحيد لتلك المشكلة هو العودة الى القواعد الملزمة للقبول بالتجريبيات مع مراعاة التوزيع الجغرافى والبُعد الاجتماعي، على أن يكون التحويل بالنسبة المعترف بها كل عام وهى 10 ٪ لضمان عدم زيادة الكثافات عن الحد الذى يضر العملية التعليمية ويخل مبدأ تكافؤ الفرص بين أولياء الأمور.
أضاف أنه يمكن مراجعة لجنة الفتوى فى الوزارة فى الحالات التى يحدث بها نقل إدارى لولى الأمر التى تصدر قانون بإجازة النقل الإدارى لولى الأمر الذى نقل محل سكنه من منطقة إلى منطقة أخري.
اقترح ياسر عمر تحويل عدد كبير من المدارس الحكومية إلى مدارس تجريبية لمواجهة الاقبال المتزايد عليها فى السنوات السابقة وهو السبب الرئيسى فى انتشار تأشيرات فوق الكثافة.
دعا كرم عبد اللاه نقيب المعلمين بالقاهرة الجديدة والشروق ديوان وزارة التربية والتعليم ومديريات التعليم، إلى تحليل تلك النوعية من الطلبات التى تقدم لوزارة التعليم، وتحديد المناطق التى تشهد اقبالا عليها، ثم توجيه هيئة الأبنية التعليمية و الجهات المختصة لجعلها أولوية من حيث أنشاء مدارس جديدة أو التوسع فى المدارس القائمة لاستيعاب تلك الطلاب.
أوضح أن ولى الامر مظلوم فى بحثه عن تلك النوعية من الطلبات خاصة فى المدن الجديدة كالقاهرة الجديدة واكتوبر على سبيل المثال لأنه لا يجد أماكن بجوار محل اقامته والبديل أمامه هو الحاق ابنه بمدرسة بعيدة عن محل سكنه تحتاج فى بعض الأحيان أكثر من وسيلة مواصلات لذلك فالمسألة تحتاج تخطيطاً وتحليلاً علمياً من أجل حلها بشكل جذرى لا يظلم به أولياء الأمور.