مع استمرار العدوان الاسرائيلى الوحشى على قطاع غزة، وقرب دخوله إلى عام كامل منذ عملية «طوفان الأقصي» فى السابع من أكتوبر 2023، وسلسال الدم والشهداء والمصابين الفلسطينيين الذى لم يتوقف ساعة واحدة.. حيث أفاد آخر تقرير احصائى صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية– عند كتابة هذه السطور يوم السبت الماضي– إلى 41 ألفاً و118 شهيداً، و95 ألفاً و125 اصابة، علاوة على آلاف المفقودين تحت الأنقاض والمشردين واللاجئين والنازحين الفارين من جحيم سفاح القرن نتنياهو وعصابته المجرمة، التى لا يردعها قانون دولى أو إنسانى أو مجتمع دولى لا يملك أكثر من المظاهرات أو تصريحات الشجب والإدانة.
قد يتسلل بالعاطفة والأسى إلى نفس نوازع لوم وعتاب على المقاومة الفلسطينية التى نفذت عملية «طوفان الأقصي» وألهبت جنون ووحشية وإجرام اسرائيل من الساسة المتطرفين وأنصارهم الذين يمدونهم بالسلاح والعتاد والمال والمناصرة فى المحافل الدولية الفاعلة، كمجلس الأمن وغيره.
وقد يغذى هذا اللوم الذى يأتى فى غير محله أو سياقه أصوات نشاز انطلقت من بيننا تسفه المقاومة وتنال من شرفها وتردد ما يقوله الإعلام الغربى المعادي، فتزعم أن اسرائيل كانت ومازالت تدافع عن نفسها وتتهم المقاومة بالإرهاب، وأنها التى بدأت الحرب لصالح إيران.
فى هذا التوقيت الفارق والحاسم، يصدر كتاب زميلنا الكاتب الصحفى القدير الأستاذ مؤمن الهباء رئيس تحرير صحيفة «المساء» السابق «طوفان الأقصي.. معجزة العصر» ليكون بمثابة طاقة أمل وشريان عملية إفهام وتنوير ودحض لكل الأكاذيب والأباطيل والضلالات التى تستخف بدماء الأطفال والنساء والشيوخ الذين ضحوا بأرواحهم وفضلوا الموت على النزوح خارج وطنهم وديارهم حتى لو صارت تراباً وخراباً.
جاء هذا الكتاب التاريخى باعتباره أول كتاب يصدر عن عملية «طوفان الأقصي» لكى يرد الاعتبار للمقاومة الفلسطينية الباسلة وللشعب الفلسطينى صاحب الأرض، وليؤكد أن محاولات تشويه المقاومة الفلسطينية ليست جديدة وهى عادة تبدأ– كما يقول الكاتب– من العدو والأبواق الإعلامية والأجهزة الاستخباراتية التابعة له والعاملة لحسابه.
>>>
ومن هذا المنطلق المهنى الخبير، تأتى نصيحته للإعلام العربى أن يفرق بين الخلافات والاختلافات السياسية والفكرية، وبين ضرورات المرحلة المصيرية «الوجودية» التى تمر بها أمتنا، التى تتطلب انتهاج سياسة إعلامية عربية جديدة نحو ملحمة غزة، لا حياد فيها يبرر للعدو سياسات القتل والتخريب والتهجير.. بل انحياز كامل وواضح وصريح لشعب فلسطين المظلوم ومخاطبة الغرب والشعوب التى وقفت مع غزة بلغاتهم وبأساليب إعلامية جديدة قادرة على إقناعهم بعدالة القضية الفلسطينية التى يحارب من أجلها الرجل والمرأة والصبى والطفل.
وبرؤية وثقافة الكاتب الصحفى القدير ومن داخل المجتمع الاسرائيلى ورغم كل الآلام والتضحيات الجسام التى طالت على مدى عقود الاحتلال البغيض وتعاظم خطاها خلال العام الأخير، فأنه يبشر أهلنا الصامدين الصابرين فى غزة ومن يألمون لما يحدث لهم بأن نصر الله قريب.. لأنه من المفارقات العجيبة، أن تعلو نبوءات وتحذيرات بقرب زوال اسرائيل من جانب سياسيين ومفكرين ومؤرخين وكُتاب يهود وغير يهود، تنتابهم الهواجس بأن معركة «طوفان الأقصي» ستكون بداية النهاية لدولة اسرائيل التى ستتفكك حتماً وتزول قبل أن تبلغ الثمانين من عمرها، مثلما تفككت المملكتان اليهوديتان السابقتان «مملكة دواود» ومملكة «الحشمونانيم» على أعتاب العقد الثامن من عمرها، وهو ما يعرف فى التاريخ اليهودى بـ «لعنة العقد الثامن».. ـالغريب، أنه تتردد هذه الهواجس، بينما تعيش دولة اسرائيل نشوة الغرور بما حققت من قدرات عسكرية هائلة، ما أنجزت من تقدم علمى وتقني، وما حصلت عليه من دعم الدول الكبري، مما أتاح لها أن تشن حرب إبادة جماعية حقيقية ضد غزة.
بالتأكيد، لا يتسع المجال لعرض كل ومضات هذا الكتاب «التاريخي»، الذى يستحق القراءة والتأمل والتعلم.