لم يتغير الموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية قيد أنملة، منذ أن تم زرع الكيان الصهيونى كخنجر فى ظهر العرب وشوكة يحركون بها مواجع المنطقة بين الحين والآخر، دعم واشنطن للدولة العبرية «أعمي» وبلا حدود، وتؤيد الإدارات المتعاقبة وحشية جيش الاحتلال الصهيوني، وتتغاضى عن جرائمه وعمليات الإبادة للشعب الفلسطينى الأعزل التى تتكرر ربما كل عدة أشهر وأكثرها بشاعة ما يدور منذ ما يقرب من عام من سفك دماء ليل نهار فى قطاع غزة.
وفى بداية الأحداث، اعترف الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما بأن جميع الإدارات الأمريكية قصرت فى حل قضية الشرق الأوسط وأهملتها، وكان بإمكانها ذلك، بجانب أن جميع تصريحات ومواقف الرؤساء والمسئولين الأمريكيين على كل المستويات، تصب فى مصلحة الكيان الغاصب، وتتكرر بصورة طبق الأصل، بأنه لا تراجع عن دعم إسرائيل بحجة الدفاع عن نفسها، ولا ندرى من الذى يدافع عن نفسه، الظالم أم المظلوم، صاحب الحق المغتصب والأرض المسلوبة أم المحتل الغاصب، فيقلب الأمريكيون الحقائق ويشوهونها ويحاولون إلباس الباطل ثوب الحق حتى يصدقهم العالم.
ولا فرق بين ديمقراطيين ولا جمهوريين، ولا إدارة ولا أخري، كلهم ينبعون نفس العين الضالة الخبيثة، وتزداد تصريحات كل المرشحين ضراوة ضد الشعب الفلسطينى ومن كل تيار، كسبا لدعم اللوبى اليهودى فى أمريكا فى الانتخابات الرئاسية، التى تنطلق فى نوفمبر المقبل، والمرشح الجمهورى دونالد ترامب معروف ومجرب منذ فترة رئاسته السابقه، ودعمه لليهود بلا حدود وكان أول من شجع على نقل سفارة بلاده إلى القدس، والآن فى حملته الانتخابية يعلن صراحة دعمه وتأييده للصهاينة المعتدين، وأظهر استطلاع رأى أجرته قناة 12 الإسرائيلية أن 58 ٪ من الإسرائيليين سيصوتون لترامب لو أتيحت لهم المشاركة فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ولا تختلف المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس عنه كثيرا، بل تكاد وجهتا نظريهما تكونان متطابقتين، مع الاختلاف فى الأسلوب والتطبيق، غير أن النتيجة واحدة، وتدخل الجهود الشكلية من أمريكا «الثلاجة» ويتم تجميدها عدة أشهر إلى أن تنتهى الانتخابات، مع استمرار القتل والدمار فى الأراضى الفلسطينية، والعمليات التخريبية التى لم تتوقف على قطاع غزة وكانت بحجة أحداث السابع من أكتوبر، وامتدت إلى الضفة الغربية، تدمر البنية التحتية وتقضى على الأخضر واليابس ولا تكتفى بالقتل المباشر بل تمتد إلى التعطيش والتجويع بمنع الماء والغذاء والدواء والإرهاق بإجبار الضعفاء على التنقل والترحال من مكان إلى آخر دون ادنى مقومات للحياة.
وقد كان البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، مهذبا، عندما قال إن الاختيار الذى يجب على الناخبين الأمريكيين اتخاذه فى الانتخابات الرئاسية بأن يكون من بين «الأقل شرا»، منتقدا سياسات ترامب وهاريس، ويرى أن كليهما «شر»، بما لا يدعو للتفاؤل.
عام مضى ولم تحرك إدارة بايدن ساكنا نحو وقف حرب الإبادة فى غزة، رغم استمرار الوحشية والآلة العسكرية تواصل الدمار، وكلما اقتربت الانتخابات يزداد الدعم لتل أبيب، وتبنى وجهات نظرها المغالطة وما اعتادته من نقض العهود والمواثيق وتعقيد الأمور أكثر كلما اقتربت الانفراجة، وهذا ديدنهم على مر التاريخ، ورأينا ما حاولوا فعله فى مفاوضات طابا، لولا قوة وخبرة الدبلوماسية المصرية العريقة المتمرسة على أساليبهم ودرايتها بخبثهم، وها هو السفاح نتنياهو يعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر كلما نجح الوسطاء من مصر وقطر وأمريكا فى إيجاد حلول لنقاط الخلاف.
ويؤيد 47 ٪ من الإسرائيليين نتنياهو لرئاسة الوزراء، ويطالب حزب الليكود بتنفيذ «خطة الجنرالات» لترحيل سكان غزة، بما يعكس العنف الصهيوني، والاتجاه نحو الحروب، فى الوقت الذى زادت حصيلة الشهداء فى غزة إلى أكثر من 41 ألف شهيد و95 ألف مصاب، وآلاف الضحايا تحت الأنقاض.
مازال ما يسمى بالمجتمع الدولى يكتفى بالفرجة والغطرسة العبرية تتزايد.