ليس جديدا أن اكتب هنا عن التحديات التى تواجه الدولة، وليس جديداً أن اكتب عن الوعى بالمخاطر التى يمكن ان تعيدنا إلى ظلاميات عصر الفوضى بفعل الرخويات الثائرة، ليس مناسبا أن أكيل الانتقادات أو أوجه سهام القدح للمثقفين والفاعلين، لكن فقط يمكن ان اكتب عن الحالة المصرية التى هى الشغل والهدف والمبتغى، امس كنا نحتفل بالمولد النبوى وسمعنا كلمات وشذرات معرفية نادرة، وكان الإسقاط على واقعنا وحالنا ومالنا كما نقول، لكننا نخشى الخوض فى دهاليز الحقيقة فى حالة نادرة من حالات نفاق العوام.
فوسط تلك المخاشنات الفكرية وتلك المناظرات الكبرى حول ما يدور ويجرى بين ظهرانينا وأمام أعيننا، تبرز حزمة من الحقائق وجب التنويه عنها كى نتعلم من دروس مررنا بها من أجل خطوات المستقبل، فما جرى وتحقق خلال السنوات الماضية ليس له مثيل فى تاريخ الدولة المصرية، لكن الملاحظ ان معظم هذه المشروعات والخطوات كانت موضع جدل ونقاش حول ما أسماه البعض بجدول الأولويات التى تحول فيما بعد إلى «فتنة الأولويات» كانت البداية تلك الأسئلة الكبرى التى دارت حول إعادة بناء وتسليح الجيش المصرى وتنوع مصادره، كانت حاملتا الطائرات ميسترال جمال عبدالناصر وأنور السادات موضع تساؤل لمن لا يعرف الابعاد الاستراتيجية وراء تلك الخطوات الجبارة وكانت القيادة السياسية والعسكرية العليا تتحرك وفق مصفوفة المصالح العليا، وبعد ذلك جاءت صفقة الرافال الفرنسية والغواصات الألمانية والدبابات المصرية– الامريكية المشتركة والاسلحة الصينية والهندية ثم تزامن ذلك مع انشاء القواعد العسكرية الاكبر فى المنطقة وهى قاعدة محمد نجيب وبرنيس والثالث من يوليو وجرجوب وشرق بورسعيد، كل هذه الخطوات كانت فى حينها موضع تساؤل وجدل عن الضرورة التى تدفعنا للقيام بهذه المشروعات الضخمة ونحن دولة يعانى اقتصادها من أوجاع تاريخية! وكان البعض يتساءل لماذا كل هذا الاهتمام ونحن فى حالة سلام مع كل الأطراف؟ وفى نفس الاثناء كان هناك المشروع الضخم لتوسعة وازدواج قناة السويس وتساءل البعض ايضا عن جدوى المشروع فى هذا التوقيت وهل عبور قناة السويس تحتاج هذه التوسعة وهذه التكاليف؟ ثم جاءت مشروعات الطرق والسكك الحديد ومشروعات الإسكان ومشروعات معالجة وتحلية المياه ومشروعات مضاعفة المساحات المنزرعة ومشروعات توطين الصناعة خاصة الصناعات العسكرية ومع كل تلك المشروعات جاءت مشروعات حياة كريمة والتحالف الوطنى ومنتديات الشباب وتنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين والاكاديمية الوطنية للتدريب والحوار الوطنى لتمثل عناوين جديدة للتساؤلات والنقاشات، اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات وكل تلك النقاشات وحالات الهجوم أو النقد بين ما هو بناء وما هو غير ذلك اتضحت الصورة جلية تكلم الجميع، هنا تذكرت هذه الآية المعجزة التى تحوى بين معانيها كل الحكم وكل الفلسفات، «ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً» لم يصبر الناس أو بعض الناس حينئذ على الحكمة من القيام بكل تلك المشروعات، لكن ولحكمة لا يعلمها إلا الله اتضحت الصورة كما لم تتضح من قبل، وهذا تأويل ما لم يصبر عليه البعض، والتأويل هنا يمكن أن يكون من خلال طرح بعض الأسئلة البسيطة تحت عنوان بسيط «ماذا لو؟» ماذا لو لم يكن لدينا حاملات طائرات فى ظل التهديدات التى تشهدها الملاحة فى البحر الاحمر؟ وكيف كنا سنحمى مقدراتنا الاقتصادية فى مياة المتوسط؟ ماذا لو لم يكن لدينا طائرات الرافال التى تطير لمسافات طويلة دون الحاجة الى التزود بالوقود؟ ماذا لو لم يكن لدينا قاعدة محمد نجيب وبرنيس؟ ماذا لو لم يكن لدينا توسيعات قناة السويس مع وجود تلك المشروعات المحتملة لمنافستها؟ ماذا لو لم يكن لدينا مشروع زيادة الرقعة الزراعية فى ظل توقف وشلل سلاسل الامداد العالمية؟ ماذا لو لم يكن لدينا مشروعات معالجة المياه فى ظل الشح المائى؟ ماذا لو لم يكن لدينا قاعدة صناعية قادرة على الوفاء بجزء كبير من احتياجاتنا بديلا عن الاستيراد؟ ومع كل ذلك وقبله وبعده ماذا لو لم يكن لدينا الرئيس السيسى؟؟؟؟