لم يعرف فى تاريخ البشرية منذ أن عرفت الدنيا أساليب الحكم وسياسة الشعوب شخص فى وزن سيدنا محمد– صلى الله عليه وسلم– فقد استطاع أن يغير وجه الدنيا وأن يحول مجرى التاريخ فى فترة بسيطة لا تعتبر زمناً بالنسبة لعمر الشعوب والأمم وحركات التاريخ: مما يدل على أن هذا النبى الإنسان مؤيد بقوة عليا تدير هذا وتدير نظامه ورسولنا– صلى الله وسليم– نبى أمى لا يكتب أو يخط بيمينه ولم يجلس إلى معلم ولكن ملأ الدنيا علماً ونشر فى ربوعها كلها حكمة وأمدها بزاد من المعرفة وبث فى عقولها الصواب والرشد.
لهذا يستحق محمد رسول الإسلام، التكريم الدائم، وتذكير الناس برسالته وتعريفهم بها فقد جاء بها لتعرفها العالم.
لقد بعث– صلى الله عليه وسلم– وفى المجتمع الإنسانى أصنام كثيرة عملت عملها فى تقويض بنيانه ونشر الفساد فى كيانه، وفى علاقات العالم الاجتماعية حطم المصطفى صنم التعصيب والتفرقة العنصرية، والإسلام لا يكره شيئاً كراهية لهذا التمايز العنصرى بين الناس، ويبرأ ممن يثير العصبية.
وقد وصف الرسول– صلى الله عليه وسلم– العصبية بأنها دعوى الجاهلية وبأنها منتنة فيما أخرجه الشيخان عن جابر بن عبدالله أنه عندما كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، قال الأنصارى يا للأنصار، وقال المهاجرى يا للمهاجرين، فقال النبي– صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة»، كما نفى الرسول– صلى الله عليه وسلم– انتسابه لأصحاب العصبيات أو انتسابهم إليه أو انتسابهم إليه أو إلى دعوته ورسالته فيما أخرجه أبوداود بسند فيه مقال عن جبير بن مطعم أن النبي– صلى الله عليه وسلم– قال: «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية».
ونهى عنها أيضاً الرسول– قال «من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتله جاهلية».
وللأسف الشديد كما يقول الراحل محمد عطية الإبراشى فى كتابه «روح الإسلام»: «ومازالت الأمم التى ترفع صوتها باسم الديمقراطية والحرية تقاتل عباد الله الأحرار الذين تسميهم الأجناس المكونة معاملة خاصة، فيها إذلال وسخرية وعنف واحتقار».
وقد نهي– صلى الله عليه وسلم– عن مخاطبة العبد والأمة بأى عبارة يفهم منها الرق والعبودية حيث قال: عن أبى هريرة أن رسول الله– صلى الله عليه وسلم– قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدى ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدى وأمتي، وليقل: فتاى وفتاتى وغلامي» رواه البخارى فالرسول الكريم يكره كلمة عبد، وكلمة أمة لأنهما ضد الحرية، وضد الإنسانية.
إن من يطلع على تاريخ الأمم والأديان السماوية يجد أن الإسلام قد دعا إلى تحرير الأرقاء، وإزالة العرق عن بنى الإنسان، وابتغاء مرضاة الله، وتقرباً إليه جل وعلا عن أبى هريرة– رضى الله عنه– قال: قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم: «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه» أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وأحمد فى مسنده.
وعن هريرة– رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم– «إذا أتى أحدكم خادمة بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين فإنه ولى حره وعلاجه» روه البخاري.
وهنا نرى الإنسانية والعطف والشفقة والرحمة، وحسن المعاملة، جلية واضحة فى الإسلام، فهو ينادى بأن تعطى الخادم أو المملوك مما تأكل، وتلبسه مما تلبس، ولا تكلفه من العمل لا طاقة له به، وأن تنظر إليه نظرة تحفظ له كرامته وانسانيته، وهنا تظهر العظمة الإسلامية فى المعاملة الأخوية.