بمناسبة حلول ذكرى المولد النبوى الشريف، تأتى إلى أذهاننا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم العطرة، وما تحمله من دروس سامية فى الأخلاق والتعامل مع الآخرين. فالنبى محمد لم يكن فقط رسول يبلغ رسالة السماء، بل كان النموذج الأمثل للإنسان فى تعامله مع من حوله، سواء كانوا من أتباعه أو ممن خالفوه.
فى زمن يشتد فيه الحديث عن ضرورة تأكيد الأخلاق والقيم، نسترجع بإجلال أخلاقيات المصطفى صلى الله عليه وسلم التى كانت نهجًا فى حياته اليومية، تتجلى فى كل كلمة وكل فعل. فقد عرف بصدق الحديث، وحسن الخلق، والتواضع، والكرم. كانت أخلاقه ملهمة للكثيرين، حتى أن أعداءه لم يجدوا فيه عيبًا يمكن أن يقدحوا به فى شخصيته.
من أروع صور أخلاقيات النبى صلى الله عليه وسلم هو التسامح ، فبالرغم من كل ما تعرض له من أذى واضطهاد فى بداية الدعوة، إلا أنه كان دائمًا يميل إلى العفو والتسامح. يوم فتح مكة كان مشهدًا خالدًا حين قال لأهل مكة الذين أخرجوه وآذوه: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ، تلك الكلمات كانت أكبر مثال على أن التسامح والرحمة كانا حجر الأساس فى دعوته .
كما لا يمكن أن نغفل عدالة النبى وحبه للحق ، حيث كان يرفض الظلم بجميع أشكاله، وكان يحرص دائمًا على إحقاق الحق ولو كان ذلك على حساب الأقربين ، فى حديثه المشهور: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، يظهر لنا كيف أن العدالة عنده كانت تتجاوز المصالح الشخصية أو القبلية.
أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم لم تكن فقط موجهة للبشر، بل شملت حتى التعامل مع الحيوان والطبيعة ، حيث كان يُعلِّم أصحابه الرفق بالحيوانات، وينهى عن إيذائها، ويحث على الحفاظ على البيئة والاعتناء بها.
فى هذا الزمن الذى نعيشه، حيث تنتشر النزاعات والصراعات، يبقى النبى محمد صلى الله عليه وسلم قدوة لكل من يبحث عن السلام الداخلى والخارجى ، فإذا أردنا أن نعيش فى مجتمع يسوده الاحترام والمحبة، فإن اتباع أخلاق المصطفى هو الطريق الأمثل ، فالأخلاق التى دعانا إليها ليست مجرد فضائل نظرية، بل هى أساس لنجاح المجتمعات وتقدمها.
نسأل الله أن يُحيى فينا قيم النبى محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجعل من ذكرى مولده فرصة لإعادة النظر فى أخلاقنا وتعامُلنا مع الآخرين ، فبإحياء أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم نعيد للمجتمع روحه الحقيقية التى تقوم على العدل، والتسامح، والرحمة.