التشيؤ هو تحويل الإنسان إلى مجرد «شيء» واختزال القيم والمبادئ والعادات فى إطارها السلعى كأشياء ينظر اليها بشكل سطحى حتى لو كان لامعاً، ربما كانت التكنولوجيا سبباً رئيسياً فى تطوير المصطلح من كونه ذا بعدا اقتصادياً ثم فلسفياًَ ثم حضارياً وثقافياً حتى بات الإنسان سريعاً تحت عجلات رغباته وملذاته الملموسة، مع التشيؤ تختفى الحكمة وتتلاشى الإنسانية ويتحول كل شيء إلى أرقام ويتحول كل البشر إلى أعداد وتتحول تلك الأعداد إلى أشياء.
فعندما كتب أبوالليبرالية المصرية وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد مقالا تحت هذا العنوان لم يكن يدرى أن قدحه لعقلاء الأمة وعتابه عليهم لما ارتكبوه من أخطاء سيصل إلى جيلنا هذا، لم يكن يعلم لطفى السيد أن زمنا سيأتى يشح فيه العقلاء ويندر أن يجد المرء شخصاً عاقلاً واعيا مجرداً حكيماً لا يعبد هواه ولا يسير فى طريق الحماقة ليغرس بذور الفتنة لتنمو وتتكاثر فى محيط من الجهل والمرض والأمية والتخلف، لم يكن يعلم أبوالليبرالية أن ما كان يروجه من أفكار لحض الناس إلى التفكير وإعمال العقل والخروج من سجون الهوى والتقليد سيتحول إلى موجة متطرفة وحادة على الطرف الآخر من النهر يتهكم قادتها ودعاتها ومنظروها على الناس البسطاء بحجة أنهم متخلفون ورجعيون ولا يفكرون، بيد أن بعض دعاة التنوير والتحديث والتجديد وهم فى غمرة حماسهم قد ارتكبوا نفس الأخطاء التى يرتكبها المتطرفون والإرهابيون الذين كفروا الناس وقتلوهم وعاثوا فى الأرض فسادا، فالهجوم على المتطرفين يجب ألا يذهب بالبعض إلى مناطق نائية عن جغرافية المعركة الحقيقية فتسقط البوصلة من بين أياديهم فيبدأون فى الهجوم على الدين ذاته وثوابته فيدخلون فى معركة جديدة لا مبرر لها مع المجتمع بكل مكوناته فيفقدون الظهير المساند لفكرة التجديد وبذلك يخسرون كل معاركهم دون تمييز، كما أقف دوما عند ردود الأفعال فأجد حكمة مفقودة وعقلاء غائبين، فالاختلاف يجب أن يُدار وفق أسس الود وبين جنبات المنطق، الجميع يخطئ فى ظل غيبة العقل وسطوة الهوى والخسارة ستكون من نصيب الجميع دون استثناء، لقد كتبت هنا روشتة شخصية لمواجهة ظواهر تحولنا إلى أشياء.
قلت وأقول وأكرر لا تجادل الحمقى ولا تغامر بتهدئة الغاضبين ولا تراهن على حكمة العقلاء ولا تختبر صبر المحبين وإياك إياك أن تجالس التافهين المتكبرين الذين يظنون أنفسهم نموراً وأسوداً وهم فى حقيقتهم نعاج هزيلة لا تقوى حتى على حماية نفسها، حذار من الإفراط فى الثقة فيمن لا يتفقهون ويبحرون فى علوم الرجولة والمروءة والسمو، ابتعد فوراً عن هؤلاء القابعين فى القاع يتلذذون بلعق أحذية الآخرين.. كل الأخرين، وعن أولئك المبتسمين فى وجهك زوراً وبهتاناً وهم يضمرون لك الكراهية والأحقاد، أغرب بوجهك عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون طريقا للرضا والقناعة، أدر ظهرك لكل صنوف البشر الذين يحاولون العبث فى مواضع أمانك النفسى وينقلون لك ما ينقلونه عنك بوشايات وشائعات مزدوجة وفى كل الاتجاهات، لا تدخل معارك مع الطفيليات والكائنات الرخوة عديمة النخوة فلن تستمتع بنصرك عليها لانها ستسارع بالالتصاق بحذائك بعد يوم واحد من هزيمتها، لاتلتفت لمعروف صنعته أو واجب أديته، لا تنظر خلفك لتحصى مكاسبك أو خسائرك وأنت فى ميدان المعركة، لا تعاود المسير فى طريق ملغوم قبل أن تنزع تلك الألغام بأظافرك، لا تمتطى فرسا لم تدلله يداك ولا تطير بمنطاد لم ينفخه فاك، لا تتحدث دون حاجة لحديثك وطلب والحاح لسماع صوتك، لا تتواضع مع السفلة والمتكبرين والاوغاد والتافهين والمتلونين والمتربصين، هذه أخطار تواجه العقلاء فيخطئون وآه من أخطاء العقلاء، الخلاصة « اعتزل ما يؤذيك واعص هواك».