«نتحدث إليكم من باريس».. عبارة رشيقة حملها أثير الإذاعة المصرية لمدة أكثر من نصف قرن باسم الدكتور على السمان ابن طنطا– غربية، الذى شغل العديد من المناصب بينها رئيس الاتحاد الدولى لحوار الثقافات والمسئول عن الإعلام الخارجى برئاسة الجمهورية لمصر فى حرب 1973، ورئيس لجنة الحوار والعلاقات الاسلامية بالمجلس الأعلى للشئون الاسلامية، ورئيس منطقة غرب أوروبا لوكالة أنباء الشرق الأوسط والمشارك فى الجمعية المصرية– الأوروبية للإعلام، وكان سكرتيراً عاماً لها عام 84، أنشأ أول اتحاد للطلاب العرب فى باريس عام 1958 وأول جمعية للصحافة المصرية فى الخارج عام 1968، وله مشاركات عديدة فى ندوات دولية ونائب للأمم المتحدة منذ عام 66 وشارك فى الاشتراكية الدولية 75- 1980.
رحلة د.على السمان منذ ولادته عام 1929 وحتى وفاته فى 5 أغسطس 2017، مملوءة بالمحطات والمناصب وبينها حصوله على الدكتوراة فى القانون والعلوم السياسية من جامعة باريس، له خريطة علاقات واسعة مع رؤساء مصر بدأت من نجيب وعبدالناصر والسادات، أطلقوا عليه من قبل الجاليات العربية فى باريس «عمدة باريس»، كما أجرى للتليفزيون المصرى على مدى نصف قرن حوارات مع عدد من رؤساء العالم وأبرزهم حديثه مع ديجول وديشان والمستشار الألمانى فيلى برانت وكرايسكى مستشار النمسا.
نشأ على السمان فى الغربية، حيث ولد بطنطا فى رحاب سيدى أحمد البدوي، ففى 28 ديسمبر عام 1929 كانت ولادته، وتوفيت والدته بعد الولادة بفترة قصيرة، وكذلك والده، فنشأ فى أحضان جدته.
ألحقته جدته بمدرسة الكنيسة القبطية، أقدم كنائس الغربية وكان الطالب المسلم الوحيد فى المدرسة، لذلك يصف حياته بعد ذلك ويقول: كنت أصلى الفجر فى السيد البدوى وأعود لمنزلى محاطاً بحنان جدتى لتناول الإفطار، من ثم الذهاب للمدرسة محاطاً بأجراس الكنيسة، كما كان يسمع القرآن الكريم فى دائرة محبة طبيعية بين المسلمين والمسيحيين ومن مدرسة الأقباط انتقلت إلى المرحلة الثانوية.
فى المرحلة الثانوية بطنطا، التقى بزملاء جدد وكانوا فى أربعينيات القرن الماضي، واقترب من شاب وطنى اسمه أحمد يونس- هو نفسه رئيس الجمعيات التعاونية بعد ذلك فى التسعينيات- وجمعة وأحمد وشقيقه ابراهيم قبس الوطنية وحماس الشباب على سلم المدرسة الثانوية فى حراك وطنى ضد الانجليز وكانت المجموعة تصل إلى أكثر من 15 طالباً وضعوا خطة للهجوم على النادى البريطاني، ومع كشف الخطة وجد نفسه وجهاً لوجه مع البوليس السياسى وحظى مع يونس وشقيقه بمعاملة خاصة.
لم ينس يوم دخل البوليس السياسى عليه منزل جدته ووجدوه منغمساً فى مذاكرة دروسه وطلبوا اصطحابه إلى القسم أو مقر البوليس، فنظر الطالب على السمان إلى عيون جدته التى كانت حكايتها للحفيد يتيم الأبوين أن يكون شجاعاً، وكانت بخبرتها الريفية قد فهمت أن البويس السياسى وقتها يبحث عن الطلاب الذين يهاجمون الاحتلال، وقالت له بلهجة حازمة: لا تخف.. قالتها العجوز بلهجة الرجال الأشداء، فزرعت فى قلب الحفيد الشجاعة ونزعت الخوف.. وبالفعل جمعة واسماعيل يونس وشقيقه الصحفى ابراهيم يونس وشقيقهما أحمد يونس وفوزى دبور وأحمد الخطيب وفؤاد حسن وبينهم من كان له نشاط حزبى وكذلك عبدالعزيز السيد وابراهيم حمودة وعباس الخزاركى وآخرون تم اقتيادهم إلى القسم، حيث قبضوا أيضا على عدد من الطلاب وكانوا مجموعة كبيرة فى قسم أول طنطا منخرطين فى الحركة الوطنية، وكان الضابط الذى يحقق معهم اسمه سعد السنباطى وحجزوا لأنهم ينادون بالاستقلال والجلاء، وتركت واقعة الحجز فى نفس السمان وأقرانه أثراً كبيراً.
كان على السمان فى نظر رجل البوليس، هو العقل المفكر لمجموعة طنطا التى لقبت بـ «الخطيرة» وقتها، وكانوا فى مجموعة ضد الاحتلال سميت باسم «مجموعة عرابي».
التحق بعد حصوله على الثانوية العامة بجامعة الإسكندرية، التى نال فيها الليسانس فى الحقوق، وكان قد بلغ سن الرشد ووجد نفسه أن التركة التى تركها والده ووالدته لم تكن عقاراً بل حزمة من الأسهم فى بنك مصر، وفكر فى العمل بالمبلغ فى البورصة رغم صغر رأسماله، الذى لا يسمح بذلك وفشل لأن فى قرارة نفسه تكوينه لا يستقيم وعمل البورصة، وعندما علم أنه سيتم منع استيراد منتجات من الخارج وكان ذلك عام 1951 أدرك أن البديل لابد أن يكون مصرياً، واشترى بما يملك منتجات مصرية ومع وقف الاستيراد تضاعف مبلغه 3 أضعاف، فوجد نفسه يمتلك ثروة.
هنا فكر السمان عقب حصوله على ليسانس الحقوق من جامعة الاسكندرية عام 1953، أن يكمل الدراسة بالخارج، واتجه إلى فرنسا ولم يكن يتكلم الفرنسية واتجه إلى منطقة جرينوبل- بحسب اعترافاته للزميل د.سعيد اللاوندى بـ «الأهرام»- وهناك ذهب السمان إلى جرينوبل فاستقبلته ثلوجها، حيث كان الموعد الذى غادر فيه مصر «النوة» فى الاسكندرية والثلوج فى فرنسا والصقيع يلف الأجواء، وبسرعة تأقلم مع المدينة التى تعلم فيها أيضا التزلج على الجليد، وأنشأ فيها جمعية للطلبة العرب وسانده صديقه رشدى الجندى الذى كان موجوداً قبله فى هذه المدينة الفرنسية.
يقول السمان: تعلمت الفرنسية وكان حلمى من أول يوم أن ألقى خطاباً باللغة الفرنسية، وهنا جلس عامين فى تعلم الفرنسية وسط أهلها، ويشاء القدر أنه حقق حلمه بإلقاء خطاب كامل بالفرنسية وبلغة سليمة، بعد ذلك بنحو ست سنوات أمام جمعية لمناهضة العنصرية بحضور المفكر والفيلسوف جان بول سارتر، وأيضا فى هذه الأثناء قرر أن يذهب إلى باريس عام 58 حاملاً من جرينوبل شهادة «دبلوم القانون العام».
فى باريس والحى اللاتينى
ذهب إلى الحى اللاتينى ووجد كثيراً من المصريين والعرب فى وسط إرهاصات المر القومى العربى بين مكونات دينية وناصرية وغيرهما.. هنا فكر السمان كما كون فى جرينوبل اتحاداً للطلاب العرب أن يكون اتحاد الطلاب المصريين أسوة بالطلاب المغاربة، وفشلت محاولته الأولى عندما تقدم للانتخابات بسبب وشاية أثرت على دعايته وسط الأوساط الطلابية، وفى هذه الأثناء التقى الدكتور أحمد الغندور العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكان لقاؤه مع الغندور خاتمة خير له.
بدأ السمان يدخل فى الاتحادات العربية وأنشأ اتحاد الطلاب العرب فى فرنسا، وكانت القضية الفلسطينية هى عنوان هذه المرحلة ومازالت ونجح كممثل للطلاب العرب.
ونظراً لأن نشاطه كان يحتاج منه بعض المال وهو لا يملك، اقترح عليه زميل له فرنسى العمل فى سوق الخضار، وكانت نصيحة زميله جان مارى الذى يدرس العلوم السياسية فى السربون طوق نجاة له، وعمل «شيالاً» للشاحنات الصغيرة من الساعة 12 ليلاً حتى السادسة صباحاً، ووازن وقته بين الدراسة فى الدكتوراة والعمل فى تفريغ شاحنات الفواكه بباريس، ومنها تجمعت لديه الفرنكات التى يصرف بها على حياته ونشاطه والدراسة.
العمل فى الصحافة
عرض عليه أستاذه فى الجامعة اندريه أولمان العمل فى جريدة «لاترسيبى دى ناسيون» وكان يتحصل على 80 فرنكاً فى المقابل، ومن هذه الجريدة اتجه إلى صحف أخرى فرنسية، يكتب الشئون الأفريقية ومنها «لوموند» كبرى صحف فرنسا.
فتح له العمل بالصحافة الانفتاح على مجتمع جديد فى فرنسا، وانتقل للسكن فى مواجهة المكتبة الأمريكية فى حى الأوديون وهو حى مملوء بالنشاط المسرحي، وكأنه وجد غايته.. حيث انه من عشاق المسرح، وبين العمل والكتابة والدراسة وجد أيامه مزدحمة.
سجل السمان الدكتوراة بعنوان «التأثير المتبادل للأيديولوجية والاستراتيجية السياسية»، ونال الدكتوراة عام 66، حيث مُنح درجتها بمرتبة الشرف.. واللافت عندما استحثه المشرف على الرسالة بسرعة المناقشة، طلب من رئيس اللجنة الاعتذار عن المناقشة، لكنه رفض وبعد المناقشة ووجد رئيس اللجنة الجهد المبذول، قال له: «إننى أفضل رسالتك»، ولم يدركها السمان إلا بعد ذلك، حيث توطدت علاقته بأستاذه بدرجة كبيرة.
اللقاء مع عبدالناصر
ربما كانت الصدفة أو الحظ مهماً فى طريق السمان، عندما تمت دعوة جان بول سارتر وشريكيه سيمون ديفوار لزيارة القاهرة عام 66، وهو العام الذى ناقش فيه وحصل على الدكتوراة، وعندما علم من صديقه سارتر بأنه سيرافقه فى الزيارة، أبلغه أن ميعادها لا يتناسب معه، لأنه سيناقش رسالته للدكتوراة فى نفس التوقيت، وأن المشرف استحثه بإنهائها، وكان معجباً بسارتر وطلب سارتر تأجيل الزيارة أياماً حتى ينتهى السمان من أطروحته للدكتوراة، ونظراً لأنهما كانا- السمان وسارتر- يلتقيان كثيراً، حيث ان سكن السمان كان ملاصقاً لسارتر.
تم تأجيل زيارة سارتر تلبية لرغبة السمان، لكى يصحبه معه إلى القاهرة بدعوة من رئاسة الجمهورية، وهى الرحلة التى فتحت للسمان فى جولات سارتر لقاء الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وتوفيق الحكيم، حيث ان رحلة سارتر إلى القاهرة كانت مملوءة بالأحداث الثقافية والاجتماعية المغلفة بإطار سياسي، فهى الرحلة التى زار فيها المنوفية ودنشواي.. وأثناء زيارة سارتر الذى كان يعد جاره فى حى مومبرتاش بباريس ولقاء الرئيس عبدالناصر بحضور الكاتب الصحفى الشهير محمد حسنين هيكل، قام السمان بدور المترجم لصديقه سارتر، واغتنم السمان اللقاء الذى استغرق بعضاً من الوقت وأعجب ناصر بطريقة السمان فى الترجمة، ومع انتهاء اللقاء الذى يصفه السمان بأنه من اللقاءات التى لا ينساها، وفيه أوضح للرئيس أحد التقارير التى كتبت عنه غير دقيقة، هذا اللقاء أحدث نقلة فى حياة السمان، ففيه أعطى ناصر تعليمات بإنشاء مكتب تحت مظلة وكالة أنباء الشرق الأوسط، تكون من مهامه الرد على الشائعات المغرضة، وذكر جانب من اللقاء الكاتب موسى صبرى فى كتابه «السادات الحقيقة والأسطورة»، وأيضا د.محمود جامع فى كتابه «عرفت السادات»، وكان السمان قد ساهم فى عملية ترتيب لقاء بين الرئيس عبدالناصر وديجول فى باريس قبل عدوان 5 يونيو وتحديداً فى عام 1966، واللافت أن عبدالناصر أمر بتعيينه إعلامياً فى باريس بملف دون مسوغات تعيين، وكان قد أعطى لسامى شرف تعليماته بتعيينه فى ملف دون شهادة ميلاد وتخرج وأكمل الملف مع الأستاذ محمد فائق، معتبراً ما طلبه عبدالناصر تكليفاً بمهمة وليست مجرد وظيفة.
مع السادات
لم يكن السمان فى حياته بمدرسة الأقباط أو الثانوية فى طنطا بعيداً عن السادات، حيث ان له أصدقاء وأقارب يعيشون على مقربة من ميت أبوالكوم ولا تبعد كثيراً عن طنطا ومسجد سيدى أحمد البدوي.
كان للقدر تصاريفه فى لقائه مع الرئيس السادات، الذى اختاره مستشاراً فى الإعلام الخارجى قبل حرب اكتوبر.. ويحكى السمان أنه فى أحد الأيام دعاه أحد أصدقاء الدراسة وقريبه للصلاة فى ميت أبوالكوم، وكان عادة الرئيس السادات يزور القرية ويؤدى صلاة الجمعة، فرفض السمان وقال لقريبه: هذا بالبلدى «لكاعة»، فكثير من الذين يأتون للصلاة فى المسجد، يأتون لرؤية السادات.. هكذا قال السمان لقريبه.
ونظراً لأن قريب السمان فتحى سليمان وصديقه كانا يلتقيان السادات وأبلغاه بأن السمان يقول: الناس لا تأتى للصلاة فقط، بل لرؤية السادات.. فأوعز السادات لقريبه وصديقه أن يأتيان به لأن لديه مشروعاً للتليفزيون الفرنسي، عبارة عن فيلم وثائقى «ساعة فى حياتي»، وبالفعل التقينا فى ميت أبوالكوم وأعطانى السيد فوزى عبدالحافظ مشروع الفيلم الوثائقي، وكان قد التقى السادات فى المعمورة بجزيرة الشاي، تم لقاء السادات مع السمان، وفى اللقاء تحدث السادات فى كل شيء والسمان مستمعاً.
تعددت اللقاءات فيها حضوره جلسة فى اللجنة المركزية التى فيها أمر السادات بطرد الخبراء الروس وصداقة السمان لحافظ اسماعيل مستشار الأمن القومى كانت تسمح لهما بحوار مفتوح، وقال حافظ إسماعيل للسمان: السادات سيحارب وأن الحرب ستكون فى ظل علاقات قوية أيضا مع الروس رغم طرد الخبراء، ونظراً لأن حافظ اسماعيل كان يسافر لباريس كثيراً، حيث ابنه يدرس هناك وسمحت هذه الزيارات للسمان باللقاء مع حافظ اسماعيل وأشرف غربال وغيرهما من رجال السياسة المصرية.
السمان وحرب أكتوبر
فى الإعداد الإعلامى لحرب أكتوبر، كان أحد الشخصيات المختارة للمشاركة فى متابعة فعاليات الحرب.
وأثناء مفاوضات كامب ديفيد، سُلم للسمان مظروف مغلق كان عبارة عن توجيهات للتناول الإعلامى حول المفاوضات إذا فشلت كيف تتم معالجة الأمر داخل الإعلام الفرنسى وتوضيح وجهة نظر مصر، وكان فيها مكلفاً بالاتصال مع اليهود فى فرنسا.. وفى هذه الأثناء كانت تربط السمان علاقات قوية مع عصام سرطاوى القيادى الفلسطيني.
آخر لقاء مع السادات
قبل حادث المنصة بيومين، كان قد دُعى لحفل انتصارات أكتوبر وفاتته الطائرة القادمة للقاهرة، وكان مُخصص للسمان الصف الثالث فى دائرة البروتوكول المُرتب لهذا اليوم ٦ أكتوبر 1981 بجوار الفريق عبدالمنعم واصل الذى أصابه رصاص المنصة.
السمان وحوار الأديان
السمان الذى عاش حياته فى مجملها بالخارج، لم ينس جذوره فى طنطا ولم يتحول إلى «خواجة» غربي، وحياته فى الطفولة بمدرسة قبطية كان المسلم الوحيد فيها وبسببه فى العام التالى التحق بنفس المدرسة 15 طالباً، تعلم من جدته كيف يكون الحوار وكيف يكون مستمعاً، لا يتحدث إلا عندما يتطلب الأمر حديثه، وتعلم من طفولته يتيم الأبوين كيفية التعايش، يستمع الأذان ويصلى الفجر فى سيدى أحمد البدوي، وفى طريقه إلى المدرسة تكون أجراس الكنيسة هى الدليل للوصول إلى المدرسة القبطية فى أقدم كنائس الغربية، وتفرغ فى سنواته الأخيرة على مدى أكثر من عقدين استثمر علاقاته من المراكز التى عمل بها كالجمعية الأوروبية للإعلام الاقتصادى وأندية الطلاب العرب ومؤتمرات الاشتراكية الدولية.. كل هذا قاده لتأسيس مؤسسة الحوار الاسلامى المسيحي، مشاركاً للدكتور بطرس غالى والجزائرى تيجانى هدام والعديد من الأسماء.. كل المواقع التى شغلها، كرئيس للجنة الحوار والعلاقات الاسلامية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية وحواره مع الفاتيكان وزيارة البابا للأزهر الشريف وغيرها.. ومن هنا كرّس تجربته فى التعايش وحوار الأديان والحضارات.. ويرى أن الدور الريادى الذى تلعبه مصر الأزهر فى هذا الإطار على المستوى العالمى لتعزيز الحوار بين الشعوب، واعتبر مؤتمر مدريد لحوار الحضارات الذى دعا له الملك عبدالله بن عبدالعزيز نموذجاً مهماً للحوار والتعايش بين الشعوب، وأن الشعوب تتلاقى لا تتصادم.. ويرى أيضا أن عقد المؤتمر فى مدريد وقتها، اختيار عبقري، بحكم أن اسبانيا التى حكمها المسلمون عدة قرون، شهدت سماحة الاسلام وكيف أعطوا حمايتهم للديانات الأخرى ضد الاضطهاد والظلم.. معتبراً أن ماضى اسبانيا «مازال حياً»، وأن ما حدث فى مدريد تخطى الحوار إلى اللقاء والتفاهم والتعاون مع الجميع، وفتح أبواب جديدة للحوار بين الأديان السماوية الثلاثة.
«أوراق من عمرى»
قراءة سريعة لكتابه «أوراق من عمري».. لخص السمان الذى لديه الكثير من الأسرار ليكتبه، لم يقدم فى سطورها ما لديه من أسرار، لكنه طبّق نظرية «المشى حافى على زجاج مكسور»، فلم يتعمق فيما لديه من أسرار ليقدمها، ربما حتى لا يثير جدلاً بعد وفاته.. وهنا نحن نقترب من الاحتفال بمئوية مولده بعد ثلاث سنوات.
قال القريبون منه، بعد قراءة «أوراق من عمري» إنه اختار محطات الأمان، لا محطات الجدل كى لا يثير أحداً بعد وفاته.. ومن هنا فضّل ألا ينشر مذكراته، مؤمناً بما لديه من إيمان علمته له جدته «الأمية» وهو معرفة أين يقف وحتى عن الكلام والنشر.. فبين 1929 و2017 نحو 9 عقود كانت مملوءة بالأحداث التى تأثر بها والعالم.. فإذا كانت كنيسة العذراء التى تعلم بها فى طنطا أقدم كنائسها «1860»، فإن نصائح جدته وخاله مصطفى الخطيب عاشت معه نبراساً يعود إليها كلما ضاقت به الظروف والأحداث.
آمن «السمان» بأن المثقف الحقيقي، هو ذلك الشخص الذى لا ينفصل القول عنده عن الفعل.. ولا يغير مواقفه بتغير المصالح.. ورغم أنه عاش مجمل حياته تقريباً فى أوروبا، إلا أنه بنظر المقربين منه لم يصبح «خواجة» ولا فرنسياً ولا غربياً.. بل ظل ابن طنطا بلد السيد البدوي، وجذوره كفلاح مصرى ساعدته كثيراً فى رحلة حياة، بدأت فى طنطا وعبرت محطات كثيرة خارج مصر، إلى العودة إليها.. فى رحلة لا يمكن فيها للإنسان أن يتجاوز الـ ROOTS أو الجذور.. ليس كلام فلاسفة، لكنه واقع حياة.