لم يعد للنظام العالمي.. أى أقنعة.. يمكن تستر عورته فقد سقطت شجرة التوت بأكملها.. وبات مكشوفاً أمام الجميع.. ولا قيمة لشعارات يرفعها عن حقوق الإنسان أو يرددها عن الحرية والديمقراطية.. فقد كشفت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى الوجه القبيح للاحتلال ومن يسانده.. ولفظ ضمير الإنسانية آخر أنفاسه.. وصار مطلوباً من الجميع العودة لتشريعات ما بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على إنسانية الإنسان.
>>>
عقب الحرب العالمية الثانية التى كبدت البشرية دماراً غير مسبوق.. وضحايا بالملايين.. وقنابل ذرية ونووية راح ضحيتها الملايين فى «هيروشيما.. ونجازاكي» أكبر مدينتين يابانيتين.. ألقت عليهما أمريكا القنابل الذرية والنووية.. ومن بشاعة الدمار من هول التفجيرات.. أصيب الطياران الأمريكيان اللذين ألقيا حمولتهما النووية على المدينتين بلوثة عقلية.. وأودعا مصحة نفسية حتى فارقا الحياة.. فبعد أن ألقيا القنابل على المدينتين اليابانيتين.. كان مطلوباً منهما التقاط صور ما دمرا فى طريق عودتهما.. فلم يجدا من المدينتين إلا حطاماً فلا ذرع ولا طير.. ولا حائط تقف على الأرض فأصابتهما لوثة من فداحة الجريمة التى ارتكباها فى حق الإنسانية وفى حق الملايين الذين كانوا يعيشون فى أرقى مدينتين يابانيتين.. وظلا فى المصحة حتى الوفاة.. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها.. وانتصرت القوة على الإنسان.. علت بعض الأصوات التى تنادى بضرورة وضع التشريعات والقوانين التى تحد من استخدام القوة ومحاسبة من يرتكب جرائم بالصورة التى حدثت أمام المحكمة الجنائية الدولية.. ولابد أن تكون مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن هى الحاكمة والمنظمة لاستخدام القوة.. وإعلاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق واستقلال الدول.. ووضع تشريعات لمعاملة الأسرى والمدنيين فى حالات الحروب.. لكن ظلت كل هذه التشريعات رهن الدول الكبرى التى تحركها مصالحها فى المقام الأول وقبل كل شيء.. ووضح ذلك تماماً خلال الثلاثة عقود الأخيرة.. عندما علا شعار النظام العالمى الجديد الذى تحكمت فى تسيير أموره الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن صارت القطب الأوحد الذى يحكم العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.. ورفعت شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. بل وبدأت ترتدى ثوب المصلحين وتتحدث عن مستقبل البلاد بعد نشر الديمقراطية فيها بقوة السلاح وكأنها ملاذ الشعوب ومنقذ البشرية من قيود العبودية.. لكن تلاشى كل ذلك وظهر زيف وكذب كل ما يروجون له بعد تدمير العراق وسلب ثرواته وخيراته.. وباعتراف جنرلات الولايات المتحدة أنفسهم بأنهم غزوا العراق بمعلومات كاذبة ومعلومات غير صحيحة لكن بعد خراب مالطة.. وهو جزء من السيناريو أيضاً.. وحتى يقولوا للعالم إننا دولة حرية وديمقراطية وأن جنرالات الجيش يعترفون بشجاعة وحرية عن زيف التقارير التى دمروا العراق بسببها.. فماذا عاد على العراق وشعبه من الاعترافات.. وهل حاكموا بوش أو القيادات.. هل عادت بغداد وثرواتها.. إنها أدوار وسيناريوهات سابقة التجهيز.. لكن تكشف للجميع زيف ما يرددون عن الحرية والديمقراطية.
>>>
ثم جاءت جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى غزة لتكشف بجلاء سقوط كل الأقنعة عن وجه الغرب.. وزيف كل الشعارات التى يرددونها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. فما حدث من جرائم فى غزة كان يستوجب محاكمة كل قادة الدولة الصهيونية كمجرمى حرب بما ارتكبوه من مجازر لا إنسانية بقنابل محرمة دولياً وأسلحة أمريكية محرمة دولياً منحها الأمريكان للاحتلال الإسرائيلي.. ولم يكتفوا بتزويد إسرائيل بالمال والسلاح والمرتزقة.. وإنما وقف الفيتو الأمريكى مانعاً من مجرد الادانة للجرائم الإسرائيلية.. بل وقف الفيتو الأمريكى حائلاً دون اتخاذ مجرد قرار لوقف النار فى القطاع.. وادخال المساعدات الاغاثية الكافية لاعاشة أكثر من مليونى إنسان لا يجدون شربة ماء فى القطاع ويتعرضون للقصف فى كل لحظة.
>>>
جرائم الاحتلال الإسرائيلى فى غزة كشفت زيف الأقنعة والشعارات التى يرفعها العالم الغربى ويروج لها.. بل ويجعلها معايير تقييمه لتعامله مع بلدان العالم الثالث التى يحاول أن يفرض عليها وصايته ويجعلها تخضع لتعاليمه وأوامره تحت ذرائع حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية وتمكين المرأة وغيرها من الشعارات التى لا يعرف عنها الغرب إلا استخدامها ذرائع لمحاسبة ومحاكمة الآخرين.
هل يستيقظ ضمير العالم من سباته.. وهل حقاً يعرف النظام العالمى حقوق الإنسان.. أو السبيل لحرية أو ديمقراطية.. أم أننا حقاً فى عصر الغاب والقوة.. ولا بقاء فيه لمن لا يملك قوة الردع.. ولا حياة لمن لا أنياب له!!