تحدثنا بالمقال السابق عن حقيقة كروية الارض، وكيف اثبتت الكتب السماوية ذلك، وان ادراك الانسان لتلك الحقائق وغيرها وعلاقتها بالاديان، يجب ان يتزامن مع معرفة طبيعة العلاقة بين العلم والدين، فهما عالمان مختلفان فى الوظيفة، فالعلم غرضه نقض السائد والموروث، واستبدال ما هو أحسن به أو تثبيت القواعد حال ثبوت استمرارها، لذا فمعظمه يركز على مساءلة الأدلة والتطبيقات، والعمل على نقضها والبحث عن بدائلها.
أما الدين فوظيفته مختلفة، يوفر الدين اليقين، أى الرؤية الكونية التى تجيب على أسئلة الإنسان الوجودية، فتولد الاطمئنان إلى المصير، كما توفر الشريعة الأرضية الفلسفية للقانون، والمضمون المناسب لقواعد العمل الفردى والجمعى فى المجتمع الإنساني، ونعلم أن تواصل الإنسان مع الكون الذى يعيش فيه ليس من نوع الآراء التى يمكن تغييرها بين حين وآخر بسهولة، وان الاستمرارية جزء من طبيعة القانون، حتى لو قلنا بإمكانية تغييره وتحديثه نظراً لاختلاف الوظيفة، فإن منهج البحث فى الدين مختلف عن نظيره فى العلم.
هنا لا بد من التذكير بضرورة التمييز بين الدين والمعرفة الدينية، حيث يراعى فى الدين مصدره الإلهي، بينما المعرفة الدينية بشرية وغير معصومة، فهى تخضع لنفس قواعد وأدوات النقد المتعارفة فى العلوم العادية، ونقدها مباح وليس تجديفا بصحيح النصوص الدينية.
ادراكنا لصور وكالة ناسا التى التقطها تلسكوب جيمس ويب، وتعود لمجرات تبعد عنا 290 مليون سنة ضوئية، وبعضها لمجرات ونجوم يعود تاريخها لأربعة مليارات ونصف المليار سنة ضوئية، التلسكوب التقط صورا لمجرات وكواكب ونجوم تعود لـ13 مليار ونصف المليار سنة ضوئية، وان واحدا من كل خمسة نجوم شبيهة بشمسنا فى مجرة درب التبانة يدور حوله كوكب شبيه بالارض ومرجح لوجود مياه على سطحه تعنى وجود مليارات الكواكب الصالحة للحياة، وتمكن العلماء من احصاء اكثر من مائة الف مجرة لصنع خريطة ثلاثية الابعاد للكون المعروف، وفق دراسات علمية حديثة، يؤكد اننا اعلم بامور دنيانا.
يدعونا ذلك جميعا للتدقيق والبحث والمزيد من المعرفة، وتحضنا عليه كافة الاديان فيقول الكتاب المقدس «مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ الْمَعْرِفَةِ، أَمَّا الْجَاهِلُونَ فَيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ وَالْأَدَبَ» ويقول القران الكريم «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ». فلا حياة الا بمزيد من العلم والتعلم والبحث والتقصى وعدم التسليم بالغيب الا فيما امرنا به الله.