عندما هل «ربيع الأول» هذا العام .. ورحت أكتب عن مولد رسول الإنسانية..متمم مكارم الأخلاق .. رحمة الله للعالمين ..حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..وجدتنى أكتب عن «المناسبة العطرة» وأمام عينى وفى أعماق وجدانى تسكن «مأساة غزة» وماتفعله إسرائيل من «حرب إبادة جماعية» ومذابح ومجازر «على مدار الساعة» ضد الشعب الفلسطينى «أمام العالم» ..جرائم غير مسبوقة عبر التاريخ يرفع فيها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الشعار الأكذوبة «الجيش الحضاري» معلنا أن إسرائيل فى حربها على غزة تدافع عن «الحضارة الغربية» ضد ما أسماه «البربرية»!!..وجدتنى أكتب وأنا أنظر إلى «الأوامر العليا» الصادرة إلى «جيوش الفتوحات» التى انطلقت طلائعها الأولى من جزيرة العرب قبل ألف وأربعمائة عام ..تلك الأوامر التى مثلت أسمى تجسيد لإنسانية الرسالة المحمدية الخالدة ..لاتقطعوا شجرة ولاتقتلوا وليدا ولا شيخا ولاامرأة ولا عابداً فى صومعته..وجدتنى أكتب وأنا أمعن وأتأمل «الحضارة الغربية المزعومة » ..حضارة القرن الحادى والعشرين.. حضارة لم يخجل أصحابها من «الصمت الفاعل والمشارك والمتضامن» فى ذبح أكثر من واحد وأربعين ألف فلسطينى ..طفلا وإمرأة وشيخا ومريضا وجائعا ..بالإضافة إلى تدمير الشجر والحجر وهدم وتدنيس كل مكان يذكر فيه إسم الله.
كان بين يدى وأنا أتأمل وأتنقل» بين ماحدث على إمتداد أكثر من «أربعة عشر قرنا» ..ومايقوم به «الآن» جيش الإحتلال على أرض فلسطين «بتواطؤ دولي»..كان بين يدى كتاب «الخالدون مائة ..أعظمهم محمد» وهو ترجمة قام بها الكاتب والمفكر الراحل أنيس منصور لكتاب ألفه الأمريكى «مايكل هارث» عن أكثر الشخصيات تأثيرا فى التاريخ..أطالع الكتاب وأمامى الماضى والحاضر والمستقبل ..ثلاثة أزمنة تؤكد «بكل صدق وإنسانية» أنه منذ خلق الله الخلق وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..لم ولن ترى»الإنسانية» عظيما مثل محمد..رحمته لم يتوقف فيضها عن التدفق حتى مع «الأعداء» فى السلم والحرب..صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
على الرغم من أن الكتاب الذى بين أيدينا «الخالدون مائة ..أعظمهم محمد» هو ترجمة قام بها أنيس منصور لما رصده الأمريكى مايكل هارث عن أكثر مائة شخصية تأثيرا فى التاريخ ..وعلى الرغم من أن هارث جعل سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..على رأس الخالدين المائة..على الرغم من ذلك كله إلا أن المتأمل والمدقق فى الكتاب والترجمة يمكنه بسهولة ملاحظة الفارق بين «النظرة» و»الرؤية»..نظرة «مايكل هارث» السريعة ..ورؤية «أنيس منصور» المتعمقة..ولذلك فإننى أرى أن الكتاب والترجمة هما عملان «متكاملان» يؤكدان بشكل قاطع.. «العظمة الإنسانية» للنبى الخاتم حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
الكتاب يتناول أبرز الشخصيات التاريخية ..سياسيا..عسكريا ..إقتصاديا..علميا..إجتماعيا ..إلى غير ذلك من مجالات أخرى ..فبعد أن جعل الكتاب حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ..فى المقدمة ..راح يتحدث «بالترتيب» عن الشخصيات الأخرى التى حددها ضمن «المائة»..إسحق نيوتن..سيدنا المسيح عليه السلام..بوذا..كونفوشيوس..ألبرت آينشتاين ..كارل ماركس..أرسطو..سيدنا موسى عليه السلام..أغسطس قيصر..مارتن لوثر..جورج واشنطن..الإسكندرالأكبر..نابليون بونابرت..وغيرهم.
فى مقدمة الترجمة والتى صدرت الطبعة الأولى منها فى عام «1981»..يقول أنيس منصور معرفا بالكتاب الذى قام بترجمته : فى ستمائة صفحة صدر كتاب بعنوان «المائة..تقويم لأعظم الناس أثرا فى التاريخ»..المؤلف هو مايكل هارث عالم فلكى رياضى يعمل فى هيئة الفضاء الأمريكية متعته الأولى هى دراسة التاريخ.. يضيف أنيس منصور أن مايكل هارث بعد أن فرغ من إصدار الكتاب تلقى اقتراحات من العلماء والأدباء ورجال الدين بإضافة أسماء أخرى ولكن المؤلف عنده مقاييس ثابتة لإختيار الشخصيات المائة واستبعاد مئات أخري..لقد أقام مايكل هارث أساس الإختيار على أن يكون الشخص عميق الأثر وأنه لابد أن يكون للشخص أثر عالمي..ويقول أنيس منصور : إن المهم فى إختيار الشخصية عند مايكل هارث أن يكون للشخصية أثر «شخصي» عميق متجدد على شعبها وعلى تاريخ الإنسانية ..ولذلك إختار محمدا صلى الله عليه وسلم أول االقائمة.
يشير أنيس منصور فى مقدمة ترجمته إلى «وقفة مهمة» حيث يقول إن مؤلف الكتاب «مايكل هارث» كان يستحق الكثير من حفاوة الدول الإسلامية ولكنه لم يلق امتنانا من أحد ..ويختتم أنيس منصور مقدمته قائلا : سوف تكون مفاجأة للمؤلف أن أبعث إليه بنسخة من هذا الكتاب وبذلك تكون المفاجأة الثانية ..أما المفاجأة الأولى فهى عندما أرسلت له خطابا أبدى إعجابى بعلمه وخلقه وأستأذنه فى نشر ما أستطيع من هذا الكتاب.
عن سبب إختياره حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ..فى أول قائمة الخالدين المائة..يقول مايكل هارث: لقد اخترت محمدا فى أول هذه القائمة ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الإختيار ومعهم حق فى ذلك ..ولكن محمدا هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحا مطلقا على المستوى الدينى والدنيوى ..وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا ..وبعد وفاته ومرور قررن عديدة لايزال أثر محمد قويا متجددا.
يضيف مايكل هارث: أكثر الذين اخترتهم ولدوا ونشأوا فى مراكز حضارية ومن شعوب متحضرة سياسيا وفكريا ..إلا محمدا فهو ولد فى منطقة بعيدة عن مراكز التجارة والحضارة والثقافة والفن..وكان البدو من سكان شبه الجزيرة العربية مشهورين بشراستهم فى القتال وكانوا ممزقين أيضا رغم أنهم قليلو العدد ولم تكن لهم قوة أو سطوة العرب فى الشمال الذين عاشوا على الأرض المزروعة ..ولكن الرسول استطاع لأول مرة فى التاريخ أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعا بالدعوة إلى الإله الواحد ..ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالى شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربى واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية..وكان العرب أقل بكثير جدا من كل هذه الدول التى غزوها وانتصروا عليها.
ويستطرد مايكل هارث :استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله أن يقيموا امبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسى وهى أعظم امبراطورية أقيمت فى التاريخ حتى اليوم ..وفى كل مرة تصل القوات بلدا فإنها تنشر الإسلام بين الناس ..لقد ظلت الديانة الجديدة تتسع على مدى القرون التالية بل إن الإسلام قد وحد بين أندونيسيا المتفرقة الجزر والديانات واللهجات ..وفى شبه القارة الهندية انتشر الإسلام أيضا..نعم لم يعرف العالم كله رجلا بعظمة حبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
على مدى عقود بل قرون سيطر على كثير من الشرق ومفكريه ومثقفيه حالة من الإنبهار بحضارة الغرب وإنسانيته ..وظلت هذه الحالة «حاكمة»لهذه العقول ..والأفكار ..والتوجهات .. حتى عند سقوط المفاهيم الغربية فى الإختبارات الطارئة يظل هؤلاء الموهومون متمسكون بظنونهم ورؤاهم ..استمر هذا «المرض» حتى جاءت حرب غزة «الكاشفة» ..لن أتحدث كثيرا هنا عن الحرب وما تقوم به إسرائيل بدعم غربى واضح من جرائم غير مسبوقة ضد الفلسطينيين ..جرائم لم يعرف مثلها البشر من قبل ..فقط أشير هنا إلى دور المنتمين إلى «الحضارة الغربية» فى هذه الحرب من خلال نقطتين ..الأولى كم القنابل والمتفجرات التى دفعت بها الولايات المتحدة الأمريكية «زعيمة العالم الحر» إلى إسرائيل لإحراق وتدمير غزة ..فقد ذكرت التقارير الرسمية أن «واشنطن» زودت «تل أبيب» فى حرب الإبادة فى غزة منذ شن الحرب وحتى «يونيو الماضي» فقط بأكثر من ألف قنبلة تزن الواحدة أكثر من «900» كيلو جرام وستة آلاف وخمسمائة قنبلة تزن الواحدة «225 « كيلوجرامًا وألف قنبلة خارقة للتحصينات وألفين وستمائة قنبلة ذكية مخترقة للتحصينات وثلاثة آلاف صاروخ «جو-أرض» .. عشرات آلاف من الأطفال والرضع والنساء والمرضى والجوعى فى غزة تم إبادتهم بهذه الأسلحة الأمريكية ..إنها الحضارة الغربية فى «أوضح صورها»!!.
«النقطة الثانية»التى أود الإشارة إليها هو ماجاء على لسان أحد الصحفيين الإسرائيليين فى مقال له بصحيفة «هآرتس» حول هذا التواطؤ الغربى فى «مجازر غزة» ..فقد كتب الصحفى الإسرائيلى جدعون ليفى «متعجبا» من رد الفعل «الإنسانى الباكي» الذى أظهره العالم تجاه العثور على جثث ستة أسرى إسرائيليين قبل أيام فى غزة ..فى حين أن هذا العالم خاصة الأوروبى والأمريكى لم يحرك ساكنا على مدى مايقرب من عام لمقتل أكثر من أربعين ألف فلسطينى معظمهم من الأطفال والنساء..وقد جاء فى المقال الذى تناقلته كثير من وسائل الإعلام: «إسرائيل والعالم كله يبدى حزنه البالغ على ست محتجزين إسرائيليين قُتلوا وتتصدر أسماؤهم وصورهم وقصص حياتهم وأسرهم نشرات الأخبار مع أنهم ليسوا سوى غيض من فيض قصة الحرب فى غزة وليسوا سوى جزء ضئيل من ضحاياها.. ويضيف ليفي:هناك تناقض مذهل بين التغطية الواسعة لحياة هؤلاء وموتهم مقابل تجاهل المصير المماثل لأشخاص فى مثل سنهم لا يقلون عنهم براءة وصدقا وجمالا ويمثلون ضحايا أبرياء على الجانب الفلسطيني..ويقول:ومع أن العالم يشعر بالصدمة لمصير غزة فإنه لم يبد قط احتراما مماثلا للضحايا الفلسطينيين ..فلا الرئيس الأميركى جوبايدن يدعو أقارب الفلسطينيين الذين استشهدوا حتى ولو كانوا يحملون الجنسية الأميركية مثل عائلة «غولدبيرغوبولينز» ولا الولايات المتحدة تطالب بالإفراج عن آلاف المختطفين الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل من دون محاكمة.
ويستطرد جدعون ليفى : وإذا كان كل شيء قد قيل عن تجاهل معاناة الفلسطينيين وإخفائها فى الحوار العام الإسرائيلى فإن ما قيل لا يكفى لأن الفلسطينى الذى قتل فى غزة كان له وجه واسم وقصة حياة ولأن سبعة عشر ألف طفل قتلوا فى القطاع منذ بداية الحرب كانت لديهم أيضا آمال وأحلام وأسر دمرتها وفاتهم غير أن موت هؤلاء لا يمثل أى اهتمام بالنسبة لغالبية الإسرائيليين بل إن بعضهم يفرح بها فى حين ينظر العالم خارج إسرائيل إليهم باعتبارهم ضحايا لا يحملون أسماء ولا وجوها مما يثير الاستغراب ويدل على «فقدان الإنسانية»..ليس من الصعب أن نتخيل شعور أهل غزة فى مواجهة عالم هزته وفاة ستة محتجزين إسرائيليين دون أى اهتمام بـأكثر من أربعين ألف فلسطينى قتلوا فى غزة!!..ما قاله جدعون ليفى قاله كثيرون قبله لكن جميع الأبواب والنوافذ موصدة و لارغبة عند الممسكين بكلمات المرور إلا فى سماع وتمرير وترويج «الرواية الرسمية الإسرائيلية»..نعم لقد كشفت حرب غزة «الوجه الحقيقي» للغرب وأسقطت إدعاء «الإنسانية» التى كانت تتشدق بها أوروبا وأمريكا على مدى عقود وقرون طويلة ..وبات جليا أنه عندما يردد «بنيامين نتنياهو» مقولة أن إسرائيل تخوض الحرب فى غزة دفاعا عن «الحضارة الغربية»..فإنه بذلك يسقط ورقة التوت من فوق «التحالف الشيطاني» القديم بين «الغرب وإسرائيل»..أقول ونحن فى شهر ربيع الأول وأمام أعيننا كارثة غزة «التاريخية» التى تواطأ فيها وصمت عنها أصحاب «الحضارة المبهرة»..إننا نجدد فخرنا وانتماءنا واتباعنا لرسول الإنسانية..رحمة الله للبشر والشجر والحجر.. حبيبنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.