العالم يتغير وأصبحت هناك طرق جديدة لحساب المصالح والعلاقات والشراكات الاقتصادية، والرئيس عبدالفتاح السيسى يعى ذلك تماماً منذ أن تولى المسئولية ولم يترك دولة شمالا أو جنوباً أو شرقاً أو غرباً إلا وسعى إلى تنمية العلاقات الاقتصادية معها حيث إن لديه رؤية ثاقبة تجاه ما يحدث فى العالم ويقوم بتنفيذها بنفسه وخلفه فريق دبلوماسى قوى يحضر معه كل الزيارات الخارجية، ونجاح زيارة الرئيس السيسى إلى تركيا الأسبوع الماضى بمثابة تأكيد عملى على مكانة مصر الدولية والإقليمية ولها دلالات ونتائج اقتصادية عديدة سوف تظهر قريباً على الاقتصاد المصرى من خلال تعزيز الشراكة الاقتصادية والتجارية وإنعاش التبادل التجارى بين مصر وتركيا، واستهداف زيادة حركة التجارة البينية إلى 15 مليار دولار، خاصة بعد إعلان مساعد الرئيس الروسى للشئون الخارجية يورى أوشاكوف أن تركيا تقدمت بطلب للحصول على العضوية الكاملة فى «مجموعة بريكس» التى تترأسها روسيا هذا العام، وسيتم النظر فى الطلب كأول دولة فى الناتو تسعى إلى هذه الخطوة لتشكل بذلك مع مصر والإمارات والسعودية أكبر تحالف إستراتيجى ضد قوى الشر فى منطقة الشرق الأوسط.
فى تصورى إن اتجاه تركيا نحو تحالفات الشرق وانضمامها إلى «مجموعة البريكس» فى تحد واضح لهيمنة الغرب بقيادة أمريكا يمثل نقطة تحول حاسمة فى طبيعة العلاقات الدولية، ويضع الولايات المتحدة أمام معركة جيوسياسية، بعدما أصبح اللعب على المكشوف لأن انضمام تركيا يبعث برسالة قوية إلى واشنطن أن العالم متعدد الأقطاب يتحرك والتحالفات التقليدية تتعثر، وأمريكا التى كانت ذات يوم لا تقبل الجدل سوف تجد نفسها تتأرجح بين موقف ضعيف على الساحة العالمية، وبين مواجهة تحالف قوى ونظام عالمى جديد قادر على إعادة تحديد قواعد اللعبة، واعتقد أن أول لبنة وضعت فى هذا التحالف كانت فى اجتماع الرئيس الصينى والرئيس الروسى والرئيس عبدالفتاح السيسى على هامش دورة الألعاب الاوليمبية بالصين عام 2022، وتواصل البناء فى الاجتماع الأخير لمجموعة البريكس فى روسيا فى يونيو الذى حضره 126 دولة أعضاء ومراقبين وطالبى عضوية، وكل التوقعات تشير إلى نقلة جديدة على رقعة الشطرنج فى اجتماع الشهر المقبل.
الحقيقة إن القرار العبقرى بأن تصبح تركيا العضو فى حلف شمال الأطلسى جسراً بين الغرب والقوى الناشئة، وأبرزها الصين وروسيا وهما لاعبان رئيسيان فى «مجموعة البريكس» يعكس الرغبة فى تنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية، بعيدًا عن الإشراف الأمريكي، ويمكن أن تسرع هذه الخطوة فى التخلص من الدولار كعملة رئيسية على مستوى العالم، واستبداله بعملة أخرى جديدة، وهو الكابوس الذى يؤرق أمريكا وتراه يهدد نفوذها الاقتصادى والنقدى بالانهيار.
كلمة فاصلة:
ببساطة.. غالبية دول العالم بدأت فى إعادة تقييم مواقفها من التحالفات القديمة، لأنه لم يعد لدى الغرب ما يقدمه من اغراءات جديدة لتلك الدول وكل عناصر التكنولوجيا والقوة والرفاهية أيضا أصبحت موجودة فى الشرق ولم تعد حكراً على الغرب فقط كما كان الأمر سابقاً، فبعد طلب تركيا الانضمام إلى «مجموعة بريكس» أعلنت دولة أرمينيا أنها ستشارك فى القمة القادمة التى سوف تُعقد فى مدينة قازان بروسيا فى أكتوبر المقبل، ويبدو واضحاً أننا أصبحنا فى زمن إعادة تشكيل التحالفات الإستراتيجية، وبداية سقوط إمبراطوريات وصعود أخري، ولذلك أعتقد أن الأمر جد خطير لأنه على مدار التاريخ لم تسقط إمبراطورية أبداً بطريقة سلمية، والخطر الأكبر فى زمننا الحالى يكمن فى أنها المرة الأولى التى تحدث فيها تلك المتغيرات وأسلحة الدمار الشامل فى حيازة كل الأطراف.. حفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.