قال الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر تقدر الشراكة مع ألمانيا وحريصة عليها وعلى تعزيز التعاون معها، احترامًا لدولة ألمانيا وللشخصية الألمانية التى يتم تقديرها والاعتزاز بها، كما نعتز بأن ألمانيا أحد أهم وأكبر الشركاء لنا فى مصر.
جاء ذلك خلال كلمة الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير بقصر الاتحادية بحضور وفدى البلدين، حيث رحب به الرئيس فى مستهل كلمته وقال :» فخامة الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير الرئيس الاتحادى لجمهورية ألمانيا الفيدرالية، اسمح لى أن أرحب بك ضيفا عزيزا مرتين، المرة الأولى كأول رئيس لزيارة مصر، والمرة الثانية أنه لم يزرنا رئيس لألمانيا على مدى 25 عاما، وأرحب بك فى أول زيارة لمصر وكرئيس لجمهورية ألمانيا والوفد المرافق لكم».
أشار الرئيس إلى أن زيارة الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير إلى مصر تمثل إضافة كبيرة ومهمة لمسار العلاقات المصرية الألمانية وانعكاسًا لتاريخ ممتد من علاقات الصداقة والتعاون المشترك بين الدولتين والشعبين الصديقين.
أوضح الرئيس السيسى أن معظم المشروعات فى مصر خلال السنوات الماضية كانت بمشاركة لشركات ألمانية مقدرة فى مشروعات كبيرة مثل مشروعات الطاقة والنقل، وكان إسهام الشركات كبيرا ورائعا ومقدرا من الجانب المصري.. مشيراً إلى أن تلك المشروعات القومية كان لها تأثير كبير على البنية الأساسية فى مصر.. معربا عن شكره وترحيبه بهذه الشركات التى تعمل فى المشروعات القومية بمصر.
قال الرئيس السيسى إنه بحث مع الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير عدة قضايا سواء على المستوى الثنائى أو الإقليمي.. مؤكدًا أهمية تطوير علاقات التعاون بين البلدين وتشكيل آلية للتعاون الاستراتيجى تحت إشراف وزيرى الخارجية.
أشار السيسى إلى أن المباحثات تطرقت إلى ملفات التعليم وبناء القدرات بين البلدين وهو أمر تقدره مصر ..قائلا : إننا على استعداد للتحرك مع الشركاء الألمان للتعاون بأكبر حجم ممكن من الجامعات والمدارس لأننا بحاجة إلى ذلك فى مصر».
أضاف الرئيس السيسي: «إننا نرحب بالشركات الألمانية للاستثمار والتعاون فى مصر، وأؤكد لهم أن استثماراتهم مؤمنة ومحمية بشكل كبير وهو التزام أكدته خلال المباحثات الثنائية مع الرئيس الألمانى وأسجله أمامكم الآن ..أننا نلتزم بحماية الاستثمارات بصفة عامة والالمانية والمستحقات للشركات الألمانية».
تابع السيسى : «من المهم أن يعلم الناس أن مصر تعرضت على مدى أربع سنوات إلى أزمات ضخمة ليس لها دخل بها ابتداء من أزمة كورونا إلى الأزمة الروسية ـ الأوكرانية وأزمة قطاع غزة».
ودعا الرئيس السيسى إلى ضرورة أن تبذل أوروبا جهداً كبيراً خلال هذه المرحلة لتشجيع الأطراف المعنية أو الضغط عليها للوصول إلى اتفاق يحقق الاستقرار ويخفف من معاناة الفلسطينيين فى قطاع غزة.
قال السيسى «إننا اتفقنا على أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإيجاد آلية لزيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وكذلك إطلاق سراح الرهائن..مؤكدا أن مصر تسعى بجدية لدور إيجابى مع الفلسطينيين خصوصاً مع حماس، بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، لكن من المهم أيضاً أن تلعب أوروبا دوراً حيوياً فى دفع الجهود الإضافية لتحقيق هذا الهدف.
أضاف الرئيس السيسي: «إن أكثر من 40 ألف شخص سقطوا جراء هذا الصراع ثلثاهم من النساء والأطفال فضلا عن وجود أكثر من 100 ألف مصاب، وعلاوة على ما سبق تم استخدام الجوع كسلاح داخل القطاع ضد الفلسطينيين، مما أثر بشكل كبير جدا على مصداقية وفكرة القيم الخاصة بحقوق الإنسان التى تحدثنا عنها لسنوات طويلة».
وصف السيسى ما يحدث فى قطاع غزة بأنه «انتهاك صارخ لحقوق الإنسان» وأنه يجرى على مرأى ومسمع من الجميع ولم يستطيعوا فعل شيء.
أشار الرئيس السيسى إلى أنه بحث مع الرئيس الألمانى عددا من الموضوعات من بينها ضرورة إعادة الاستقرار إلى المنطقة خاصة فى السودان وليبيا وبقية الدول التى تشهد صراعًا.. مؤكدًا أن حالة الاضطراب الموجودة بالإقليم يجب أن تنتهى وتتراجع وأيضا يجب ألا تنزلق المنطقة إلى اضطراب أكثر من ذلك، حتى لا يتسع الصراع أكثر من ذلك فى الضفة الغربية وجنوب لبنان واليمن وغيرها.
حول ملف مياه النيل.. أكد الرئيس السيسى أهمية وأولوية ملف مياه النيل.. قائلاً: «إن ملف مياه النيل وتحديدا سد النهضة مهم جدًا ونضعه فى أولوياتنا».
أضاف السيسى أنه ناقش مع شتاينماير ملف مياه النيل وتحديدًا سد النهضة والتفاوض مع أثيوبيا فيما يخص الوصول إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل السد.
أشار السيسى إلى أن مصر تحاول منذ أكثر من عشر سنوات الوصول إلى اتفاق طبقًا للمعايير والقوانين الدولية للمياه أو الأنهار العابرة للحدود.. قائلاً: إن مصر ليس لديها مصادر أخرى للمياه غير نهر النيل الذى يتحرك منذ آلاف السنين بلا عوائق.
قال الرئيس السيسي: «إننا على حدودنا الثلاثة سواء فى الاتجاه الجنوبى مع السودان أو الغربى مع ليبيا أو حتى فى الوقت الراهن مع إسرائيل وقطاع غزة، غير مستقر وله تداعيات كبيرة جداً».
أشار السيسى إلى أن تأثير هذه الأوضاع كان واضحاً خلال السنوات العشر إلى الاثنتى عشرة الماضية، حيث وصل عدد الضيوف الذين نزحوا إلى مصر نتيجة الأزمات فى بلادهم مثل اليمن وليبيا وسوريا والسودان وجنوب السودان إلى أكثر من 9 ملايين شخص .. مضيفا «أن مصر لم تصف هؤلاء بالنازحين أو اللاجئين، وهم لا يعيشون فى معسكرات بل تم دمجهم فى المجتمع المصري».
قال الرئيس السيسي: «إن مصر كانت حريصة منذ سبتمبر 2016 على منع خروج أى قوارب هجرة غير شرعية منها مصر باتجاه أوروبا، احتراماً ومن منظور إنسانى وأخلاقي، لتفادى تعريض هؤلاء الأشخاص للخطر فى البحر وللحفاظ على أمن واستقرار شركائنا فى أوروبا».
أكد السيسى أنه تحدث باستفاضة كبيرة عن الأوضاع فى غزة وأهمية التوصل الى وقف لاطلاق النار وإيجاد آلية لإدخال مزيد من المساعدات للقطاع واطلاق سراح الرهائن وأيضا ما بعد الحرب.. داعيا إلى ضرورة أن تبذل أوروبا جهداً كبيراً خلال هذه المرحلة لتشجيع الأطراف المعنية أو الضغط عليها للوصول إلى اتفاق يحقق الاستقرار ويخفف من معاناة الفلسطينيين فى قطاع غزة.
من جانبه وصف الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير، العلاقات التى تربط بلاده مع مصر بأنها تاريخية تقوم على الثقة المتبادلة والتنوع، معربا عن خالص شكره للرئيس عبدالفتاح السيسى على الدور الذى تقوم به مصر من أجل إنهاء التوترات والعنف فى الشرق الأوسط.
قال شتاينماير : «أعبر عن خالص شكرى للرئيس السيسى على دعوته لى لزيارة مصر، لا سيما وأن آخر زيارة قام بها رئيس اتحادى ألمانى إلى مصر كانت منذ ما يقرب من 25 عاما».
أضاف الرئيس الالماني: «إن «مدة 25 عامًا» بمعايير الحضارة المصرية العريقة برهة زمنية قصيرة، إنما بآفاق السياسة الخارجية التى يحدث فيها أشياء كثيرة فإن تلك المدة تبدو كأنها دهر مضي».
قال فرانك شتاينماير، إن مباحثاته مع الرئيس السيسى تناولت تبادل وجهات النظر حول فرص تعزيز أواصر التعاون بين البلدين فى مجالات التعليم والعلوم والسياسية الخارجية، مشيرا إلى أن التعليم الألمانى يتمتع بمكانة عالية جدا.
أعرب شتاينماير عن سعادته بأن التعاون بين مصر وألمانيا فى مجال التعليم جيد جدا، حيث يوجد فى مصر 7 مدارس ألمانية معتمدة بالخارج و29 مدرسة مشتركة أخرى يتم بها تدريس اللغة الألمانية، كما توجد جامعتان «ألمانية – مصرية».
أضاف الرئيس الألماني: «ما جعلنى أشعر بالفخر أن المؤسسات التعليمية الألمانية تتمتع بسمعة ممتازة لاسيما المدرسة الألمانية سان شارل بورومى بالقاهرة والإسكندرية وكذلك المدرسة الألمانية الإنجيلية الثانوية بالقاهرة، حيث زرت المدرسة الألمانية سان شارل بورومي، وتمكنت من مشاهدة مستوى التعليم العالي، والذى كان له أثر طيب على نفسى وأعجبت بالثقة بالنفس والانفتاح والرغبة فى المعرفة وحب الحوار الذى استطعت أن أراه بين الطلبة».
كما أعرب الرئيس الألماني، عن سعادته بزيادة أعداد المصريين الراغبين فى تعلم اللغة الألمانية، حيث تضاعف العدد فى السنوات الخمس الماضية ليصل إلى حوالى 420 ألفا، مشيدا بدعم الرئيس السيسى لمشروع بناء 100 مدرسة ألمانية مصرية، حيث توجد الآن 7 مدارس وسيتم إنشاء 93 مدرسة أخري.
تابع: «فى إطار زيارتى سيتم توقيع اتفاقية فى مجال التعليم العالى وهى بمثابة إشارة أخرى على التعاون الجيد فيما بيننا»، لافتا إلى أن التعليم العالى والتعليم الفنى يتعين توسيع التعاون بهما.
حول العلاقات الاقتصادية بين البلدين.. أشار الرئيس الألماني، إلى وجود نحو 250 شركة ألمانية تعمل فى القاهرة بشكل متميز، معربًا عن أمله فى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين، مشيرا إلى أن وفد رجال الأعمال رفيع المستوى المرافق له خلال الزيارة دليل على الرغبة فى تعزيز العلاقات.
أعرب شتاينماير عن فخره بأن تكون شركة ألمانية مشاركة فى بناء وتحديث السكك الحديدية الممتدة بين قناة السويس والإسكندرية والقاهرة، والتى ستساهم إلى جانب السرعة فى نقل الأشخاص والبضائع، فى تقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 70 ٪.
أشار شتاينماير، إلى وجود اتفاق لتوقيع اتفاقية تتعلق بتشغيل السكك الحديدية وتدريب سائقى القطارات، وهو ما يعد نموذجا رائعا فى مجال العمالة الفنية بين البلدين، فضلا عن الرغبة فى تقوية التعاون فى مهن أخري.
بشأن التعاون الثقافى بين البلدين.. أشار إلى اهتمام المعهد الألمانى للآثار والعديد من الجامعات والعلماء بالبحث فى مجال التراث الفرعونى والحضارة المصرية القديمة والعصر العثماني، حيث يساهمون من خلال الحفريات والمشروعات البحثية وترميم المبانى فى الحفاظ على المعرفة والحضارة.
قال الرئيس الألماني، إن تعاون العلماء الألمان مع الباحثين المصريين أسفر عن اكتشاف حجرة فى الهرم لم يكن قد تم اكتشافها من قبل، واستطاعوا من خلال الأدوات الرقمية فك رموز ورق البردي.
أضاف: «لقد كان هناك لقاء مع ممثلين وممثلات عن المجتمع المدنى والمؤسسات السياسية، ولقد نشأ لدى انطباع أن لهذا البلد مجتمعاً مدنياً شجاعاً واثقاً من نفسه وطموحاً ويريد لنفسه ولوطنه الأفضل، وفى هذا الاطار أتمنى لمصر أن يتطور الوطن ويتشارك جميع المصريين والمصريات على المستوى الاقتصادى والاجتماعى وأنا على يقين بأن بلدكم سيستفيد بهذا الأمر بشكل جيد من العلاقات المتبادلة، وأريد ان أشيد بانطلاق الحوار الوطنى فى مصر لخدمة مصالح البلاد».
أضاف الرئيس الالمانى : أن الوضع الراهن فى الجوار المباشر لمصر فى الشرق الأوسط من القضايا المهمة، فالحرب فى غزة قد طالت، ويتعين أن يكون هناك نهاية للمعاناة والموت، ونهاية لهذه الحرب أيضا، وأن يكون هناك توافق، وأن الطريق إلى هناك هو طريق صعب، ولكن يمكن أن الوصول إليه بما يسمى بـ»خطة بايدن» ووقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
تابع الرئيس الألماني: انه من بين الأسرى مواطن ألمانى الجنسية، لذلك تهتم الحكومة الألمانية وتحث على الإفراج عن الأسرى وإعادتهم إلى أسرهم، وأن يكون لهذا الأمر أولوية قصوي.
أضاف: «لقد اتفقنا أن وقف إطلاق النار يتعين أن نتوصل إليه والأسرى على قيد الحياة، ليتمكنوا من العودة إلى أسرهم، لأن وقف إطلاق النار وفقا لقناعتى ما سنصل به إلى وقف التصعيد وامتداد الصراع على المستوى الإقليمي، لذلك هذا الطريق فقط هو الذى سنصل به للسلام».
تابع الرئيس الالماني: «يتعين على كل طرف له تأثير على الدولتين، استخدام قوته فى هذا التأثير، وهذا ما تقوم به دولتي»، مؤكدًا أن مصر تقوم بدور هام، ممتنون له وللجهود الحثيثة التى تقوم بها للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس.
نبه الرئيس الألمانى إلى أن معاناة الناس فى غزة لا يمكن وصفها، وفى الأسابيع الماضية دعوت متطوعين ألمانا كانوا فى غزة لايصال المساعدات الانسانية ونقلوا لى صورة الوضع الصعب الموجود الآن فى غزة.
أضاف: ألمانيا هى ثانى أكبر دولة مانحة على المستوى الدولى للمساعدات الإنسانية فى غزة والأراضى الفلسطينية، موضحًا أنه منذ عام 2023 تم زيادة المساعدات أكثر من 3 أضعاف.. وأن هذه المساعدات ماكانت لتصل دون دعم مصر.. مؤكدًا أن مصر تقوم بدور محورى فى إيصال المساعدات الانسانية وهذا الأمر يستحق تقديرًا كبيرًا.
وصف الوضع الإنسانى فى غزة بأنه «كارثي»، وقال: نحن متفقون بأنه يتعين تغيير هذا الوضع وسوف يتغير فقط من خلال التوصل الى وقف اطلاق النار، وعند الحديث عن وقف إطلاق النار وإخراج الأسرى فإننا نتحدث عن اليوم الذى يلى هذه الحرب، مؤكدا أنه على المدى البعيد يتعين أن يكون هناك الأمن والسلام فى المنطقة للتوصل حل الدولتين.
أشار الرئيس الالمانى إلى أن هناك مصالح مشتركة بين مصر وألمانيا فى موضوع أمن البحر الأحمر، وقال :إننا نعلم ما هى الأضرار الاقتصادية التى تترتب وتؤثر سلبيًا نتيجة ما يفعله الحوثيون، وإننا مهتمون جدًا بأن يكون هناك أمن فى خطوط الملاحة الدولية، وأن قناة السويس مهمة جدًا لنا فهى شريان الحياة لنا ولأوروبا بالكامل».
أكد شتاينماير ضرورة توافق الدول الغربية والعربية على عدم السماح لأى أطراف مسلحة بتقويض المصالح، مشيرا إلى أن ألمانيا تشارك فى عملية «أسبيدس» التى أطلقها الاتحاد الأوروبي؛ لحماية السفن لهذا السبب.
أشار فرانك شتاينماير إلى أن المباحثات مع الرئيس السيسى تطرقت إلى التطورات حول ليبيا والسودان، مؤكدًا أن بلاده على علم باحتضان مصر لنحو 9 ملايين لاجئ وتتحمل عبئًا كبيرًا جراء استقبالهم، معربًا عن امتنانه لتحمل مصر هذا العبء، مؤكدا ضرورة أن يسهم المجتمع الدولى فى إنهاء الحروب والتوصل إلى نزع فتيل التوتر فى السودان، وأن يكون هناك سلام فى هذه المنطقة.
كما أكد الرئيس الألماني، فى ختام كلمته، اعتماد بلاده على دور مصر المهم فى المنطقة خاصة فى هذه الأوقات العصيبة والأزمات المتعددة التى نشهدها، معربًا عن تقديره للتعاون بين البلدين والحوار الصريح الذى أجراه مع الرئيس السيسى فى برلين والقاهرة.