سواء نجح ترامب أم خسر
قالت نائبة الرئيس الأمريكى كامالا هاريس فى مؤتمر ميونخ للأمن فى فبراير الماضى إن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلف شمال الأطلسى «النيتو». أما الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فقال فى الشهر نفسه عن روسيا «لها أن تفعل ما بدا لها» مع دول حلف الناتو التى لم تؤد التزامها من المال إلى ميزانية الحلف.
أيا كان من سيفوز فى انتخابات الرئاسة فى 5 نوفمبر القادم، ترامب أم هاريس إلا أنه على أوروبا أن تقوم على شأنها بنفسها جماعةً، دون الاعتماد على من ينجح فى لانتخابات إعدادًا لما شهده العالم من تغير كحربى غزة وأوكرانيا وتعدد الأقطاب واجتهاد الولايات المتحدة فى حصار الصين مع توسع أوروبا فى علاقتها هى مع الصين، ونجاح ترامب من قبل فى انتخابات 2016، للعمل مع الولايات المتحدة فى مواجهة روسيا ولإنماء رخاء أوروبا وزيادة التجارة رغم ما بين الولايات المتحدة والصين من تنافس.
خوف أوروبا من عودة ترامب
تخاف أوروبا عودة ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة؛ فالرجل لا يرى فى الأوروبيين إلا متطفلين على الأمريكيين ينهلون خيرهم ويستغلون أموالهم فى الدفاع عن أمنهم، لا سيما أن غالب دول حلف الناتو لا تلتزم معظم الوقت نسبة الـ 2.5٪ المخصصة من ميزانية كل دولة للانفاق العسكرى على الحلف، وهذا يجعل الأوروبيين يعيش ومرفهين أكثر من الأمريكان فى أحيانًا كثيرة، فى حين أن الولايات المتحدة هى أكثر من ينفق على الحلف.
أما عن أوكرانيا، فقد قال ترامب إنه سينهى الحرب فى يوم، وهذا لا يُتصور من دون تنازل أوكرانيا عن بعض أرضها والاعتراف بضم روسيا لها، وهذا لا شك يقلق أوروبا أكثر على مستقبلها.
لا سيما وأن سيناتور ولاية أوهايو الشاب جيه دى فانس، الذى اختاره ترامب نائبًا له فى حملته، يعارض مساعدة أوكرانيا ويرى ضرورة توجيه تلك المساعدة إلى شرق آسيا حيث ملعب الصين.
لكن للإنصاف فليس فريق ترامب وحده من يعارض مساعدة أوكرانيا فى الولايات المتحدة، إذ إن إرسال الأسلحة والذخيرة باستمرار أدى إلى قلة مخازن الأسلحة الأمريكية كثيرًا، حتى أن الكونجرس أوقف عدة إمدادات، فثمة معارضة عامة يرتفع صوتها كل يوم لإبعاد الولايات المتحدة عن خوض حروب لا قرار لها وتوفير ذلك المال لرفاهية الأمريكيين.
وجد استطلاع بحثى لمركز بيو فى يوليو أن نصف الأمريكيين فى قلق شديد من استمرار حرب أوكرانيا سنوات أخري، ويعتقد 42٪ منهم أنها قد تقيم الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا. وحتى إذا انتُخبت هاريس، فإنها لا تملك مساعدة أوكرانيا إلا بموافقة مجلس الشيوخ فى الكونجرس الذى يُتوقع أن يسوده الجمهوريون، وسيعارضونها حينها.
رغم التزام بايدن مساعدة الحلف والنيتو، فما تزال الصين يزداد المتوجسون منها فى الحكومة الأمريكية خيفةً، حتى أن إدارة بايدن سار على ما سار عليه ترامب مع الصين بإبداء شركات التكنولوجيا الخضراء التى تصنع منتجاتها فى الولايات المتحدة، مما يشجع الشركات المصنعة الأوروبية على نقل مصانعها إلى أمريكا بدلاً من الصين، باستحداث سياسات كقانون تقليل وقانون الشرائح الإلكترونية وقانون العلوم.
اجتماع الأوروبيين على كلمة سواء
أعدت بعض دول أوروبا لاحتمال تولى ترامب؛ اشترت التشيك أسلحة أمريكية ووقعت اتفاقيات أمنية مع الولايات المتحدة، كما خططت ليتوانيا إستراتيجيات فى المحيطين الهندى والهادئ تقنع بها الولايات المتحدة أنها ستحاصر الصين بها معها فى مقابل ألا تعرض الولايات المتحدة عن ليتوانيا فى مواجهة روسيا. وعارض سياسيون الألمان قيود الاتحاد الأوروبى على الشركات الأمريكية المستثمرة فى أوروبا، ويرون أن تخفيفها ربما يغرى إدارة ترامب بالإبقاء على الشراكة مع أوروبا.
عامةً يتدافع الدبلوماسيون الأوروبيون أفواجًا إلى واشنطن عاصمة الولايات المتحدة للحديث مع موظفى مؤسسة هيريتيج البحثية التى تبحث عن الموهوبين لتعيينهم فى إدارة ترامب، لإقناعهم بتحالف أوروبا وأمريكا.
لكن سعى أوروبا بحفظ علاقتها مع أمريكا لن يتوقف ما دامت أوروبا لا تعرف مصالحها المشتركة مع الولايات المتحدة، فإذا ما اجتمعت كلمة الأوروبيين، هنا قد ترى واشنطن فى أوروبا نفعًا يعود عليها من علاقتهما.
كما لا يسع أوروبا الإعلان عن زيادة قوتها الدفاعية حتى لا تضطر إلى الاعتماد على الولايات المتحدة مثل المسيرات وأنظمة الدفاع الجوى والصاروخي، والتزود بالوقود فى الجو، وهى مجالات لا تقوم فيها جيوش أوروبا وحدها من دون الاتكال على جيش أمريكا. تستطيع دول أوروبا التعاون مع المملكة المتحدة وكندا وحتى الولايات المتحدة، إذا ما أقنعوهم أن استثماراتهم فى بناء جيوش أوروبا يصب فى مصلحتهم.
كلام الكبار
ينبغى لأوروبا أيضًا التعاون مع الولايات المتحدة فى مواجهة الصين، لكنها غير مضطرة إلى اتباع أمريكا فى كل شيء، ولا ينبغى لواشنطن أن تعامل إستراتيجية أوروبا مع الصين أنها اختبار لولاء أوروبا لأمريكا. إن أوروبا قادرة على أن تكون جسرًا للحوار والتبادل الأكاديمى مما يبقى سبل حوار الخبراء الأمريكيين والصينيين. وللابتعاد عن خلاف أوروبا وأمريكا بشأن الصين، ينبغى لأوروبا أن تطلب من الولايات المتحدة أن تفصل معركتها مع الصين عن سياستها التجارية والأمنية مع أوروبا.
كما قال جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبي، عندما تولى منصبه فى عام 2019، فقد حان الوقت لأن «تتعلم أوروبا التحدث عن قوة».