فضحت حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير القسرى التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة والإرهاب الصهيونى فى الضفة الغربية مدى التحالف بين اسرائيل والصهيونية العالمية والغرب «الولايات المتحدة واوروبا» وهو التحالف فى الاهداف والادوات والمراحل، فالغرب وخصوصا الولايات المتحدة تشعر بأن أراضى الشرق الأوسط الوطن العربى بدأت فى الابتعاد عنها بعد وضوح سياسة ازدواج المعايير فى المواقف الامريكية من القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، وبدأ المزاج السياسى العربى فى الاتجاه شرقاً بفتح آفاق جديدة للتقارب مع روسيا والصين سواء على المستوى الثنائى أو فى اطار مجموعة البريكس والتى تقدم بهدوء بديلا لمؤسسات الحرب الباردة الاوروبية الأصل، وهذا التوجه، من وجهة نظر الغرب يفقده ليس فقط النفوذ السياسى والعسكرى ولكن ايضا السوق الرائجة المتسعة للوطن العربى كله.
إن هذا التحالف الإسرائيلى الصهيونى الغربى والذى بدا واضحاً خلال الحرب الراهنة ضد الفلسطينيين العزل ليس وليد اليوم فهناك دراسات ووثائق تعود إلى منتصف التسعينيات تحدد أبعاد واهداف هذا التحالف ولعل اهمها وثيقة Sewring the realm أو تأمين المحيط او الجوار والتى ستتضمن خططا صريحة للاطاحة بصدام حسين وتدمير سوريا وتوظيف دول الجوار غير العربية لاحداث قلاقل فى الوطن العربى وانهاء القضية الفلسطينية بالتخلص من الفلسطينيين وخلق تهديدات اقليمية تزيد من اعتماد العرب على الغرب عسكريا سواء فى شكل تواجد عسكرى مباشر اى قواعد عسكرية او مشتروات سلاح سنويا، ولقد بنيت استراتيجية اسرائيلية ليس فقط على التفوق العسكرى ولكن ايضا على ضمان التحالف القصوى مع الغرب وتقوية روابط الصهيونية العالمية بمفاصل عمليات صنع القرار فى كل من الهيئات التشريعية والاجهزة التنفيذية ولعبت المسيحية الصهيونية ولا تزال دورا محوريا فى تفعيل تلك الروابط ولقد بدا ذلك واضحاً للعيان فى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا وغيرها من الدول المهمة فى النظام الدولى ولا شك ان تحرك الاساطيل الامريكية والغربية إلى شرق المتوسط قبيل الحرب ضد غزة تؤكد على ان التحالف لا يستهدف امن اسرائيل فقط لأنه ليس من المعقول او المنطقى ان تهدد حماس أمن إسرائيل بصورة تستدعى تلك التعبئة، ولكن الهدف الأسمى كان ولا يزال الاستمرار الأمريكى والأوروبى فى الوطن العربى والترغيب والترهيب نحو القبول به وبنتائجه وتداعياته ومحاولة احتواء التحرك العربى نحو الشرق بل والتراجع عنه وعلى الرغم من صدور تصريحات من هنا أو هناك فى أوروبا أو قيام الولايات المتحدة مع مصر وقطر بمحاولة التوصل إلى وقف إطلاق النار والافراج عن الرهائن والمسجونين الفلسطينين فى السجون الإسرائيلية إلا انها لا تعدو أن تكون محاولات «سياسية» لا تنهى حرباً ولا تقيم سلاماً كما ان الدعم العسكرى المطلق والمالى الكثيف لإسرائيل يزداد ولا يتوقف مما يؤكذ أن هناك أهدافا أوسع من مجرد ضمان أمن إسرآئيل.
ويشير التحالف الإسرائيلى الصهيونى الغربى بما لا يدع مجالاً للشك إلى وجود اتفاق بين أطرافه على ضرورة اعادة تشكيل الوطن العربى والشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالحهم فمن ناحية يتم التخلص من الفلسطينيين إما بالقتل أو الطرد والاستيلاء التام على غزة والعنف الغربى لإعلان إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر وربما يمتد الأمر إلى الاردن وجنوب لبنان وشمال غرب المملكة العربية السعودية ومن ناحية أخرى يمكن تقسيم اليمن والسودان وليبيا والصومال وهى دول تتصارع فيها قوى تسيطر على اجزاء جغرافية متباينة ومن ناحية ثالثة يتم إنشاء منظمة أمنية للشرق الأوسط تحل محل جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك وتصير إسرائيل لاعباً اساسياً فيها وربما توجد معالم أخرى يفكر فيها هذا التالحف.
– ولعل السؤال الطبيعى الآن ما هو الموقف العربى من كل ذلك؟ بمعنى آخر فى ظل كل تلك التعقيدات والوضوح التام لمصالح التحالف الموجه ضد الأمة العربية، هل يفيد الموقف العربى الراهن فى ضمان مستقبل آمن للأمة العربية وللوطن العربى ام ان هناك خطوات يمكن القيام بها لحماية مستقبلنا؟ تحتاج الدول العربية إلى درجة أعلى من التنسيق الإستراتيجى والسياسى بل والعسكرى وربما يكون الوقت قد حان للدخول فى كونفدرالية عربية لا تمس السيادة الوطنية لأى دولة عضو، والدخول فى تحالف عسكرى دفاعى يحمى ولا يهدد، إن هاتين الخطوتين لا تشكلان تهديداً لاحد وإن كانا يؤديان إلى تنسيق السياسات والمواقف إزاء التهديدات الحياتية التى تتصل بالأمة العربية