انتهينا الأسبوع الماضى إلى دعوة إمام المسجد لإلقاء خطبته فى المدرسة عن قصة اقترحها مدرس الرسم ليرسمها التلاميذ معايشة للقصص القرآنى البديع.
بلغ الأمر مدير التربية والتعليم، فبادر بالحضور.. بينما اعتلى الشيخ مسلم الدسوقى المنصة بأناقة الوقار الأزهرى وأفاض فى حكى قصة عزير ببلاغة الخطيب العالم وبراعة المعلم الحازق وأمانة الداعية وسعادة من يبلغ عن رب العالمين.
قال إن عزير رجل صالح قد يرتقى إلى مرتبة الأنبياء.. كان له أرض يزرعها فى زمن سادت فية شريعة نبى الله موسي.. وذات يوم اشتدت حرارة الطقس خلال رحلة ذهابه لمزرعته، وخلال بحثه عن ظل ليستريح غيّر مساره المعتاد فوجد غايته فى حطام قرية قديمة هجرها أهلها ولم يعد فيها أى من صور الحياة، فنظر إليها متعجباً وقال فى نفسه وهو شارد يفكر هل يعيد الله الحياة لهذه القرية بعد موتها؟!، فغفاه النوم، واستيقظ ليجد من يسأله منذ متى وأنت نائم؟، فقال: ربما نمت يوما، ونظر فوجد الشمس توشك على الغروب، فقال: بل نمت بعض يوم، فقال له القائل: بل كان نومك لمدة مائة عام.. فتعجب عزير ولم يستوعب ذلك، فقال له القائل: ها هى عيناك أبصرناها لك لكى تري.. أنظر الآن إلى طعامك لم يفسد!! وانظر إلى حمارك وكيف أصبح عظاماً ورميماً، تأكيداً على مرور الزمن وهو السبب الوحيد إلا أن النتيجة مختلفة، وانظر كيف يعود الحمار حياً بالتدريج، تأكل كيف يتجمع الرميم ليغدو عظاماً والعظام تتركب لتبدو هكيلاً وها هو اللحم يلتئم ويسكو العظام، والعضلات والأعصاب تنتشر وتتشابك، وها هى العروق ينبض فيها الدم من جديد والجلد ينبسط ليشمل ويحتوى ويجعل الكيان كله، لقد أحييناك بعد موتك لتكون آية للناس.
عاد عزير كما كان فى الأربعين من عمره.. وذهب إلى بيته وطرق الباب، فقالت امرأة من الطارق؟، فقال: أهو بيت عزير؟، فقالت إن عزير قد رحل منذ زمن بعيد، فقال أنا عزير، فألفت الصوت ففتحت الباب.. فوجدها أمرأة عجوز ضريرة وعرف أنها جاريته التى تركها فى العشرين من عمرها، فقالت له: عزير كان تقياً مستجاب الدعاء فإن كنت هو، فادعو لى ربك أن يرد بصرى لأراك وأعرفك، فدعا الله، فاستجاب وأبصرت وصحبته إلى منزل ابنه وكان يجالس ضيوفه وقالت لهم: هذا عزير قد عاد، فتشكك الأبن فى الأمر وقد ضعف بصره وبلغ من العمر أكثر من مائة وعشرين سنة.. وقال: أبى كان بين كتفيه علامة وكشف عنها فى جسد الرجل فوجدها فهلل فرحاً، وقال إنه أبى عزير وابتهج القوم بالصالح العائد.
قال الشيخ مسلم: يقال إن فى ذلك الزمان حكم بابل الملك الكلدانى الطاغية نبوخذ نصر وقد أفزعته رؤيا فى المنام وطلب من الحكماء وأحبار اليهود أن يفسروها فقط، ولكن أن بيرهنوا صدق حكمتهم ودينهم بأن يحكوا له ما جاءه فى المنام وإلا قتلهم.. وبالفعل قتل غالبية الحكماء والعلماء والمنجمين وبدأ بأحبار اليهود وحفظة التوراة.. ومن نجا منهم هاجر هارباً ومات غريباً.. ومع اختفاء عزير كان ذلك له ما يبرره عند قومه.
لذلك عكف بعد عودته على كتابة التوراة من جديد باعتباره من حفظتها وبعدما تهالكت نسخته، حيث كان يحتفظ بها فى حفرة بأرض منزله.
البقية الأسبوع المقبل.