التوتر الإثيوبى.. لماذا؟ والموقف العربى واضح
توترت إثيوبيا.. كل يوم يخرج ويصدر من هناك تصريح انفعالى يحمل ويعكس نوعًا من العصبية والقلق وفقدان التوازن النفسى والسياسي.. وكل يوم تتحدث اثيوبيا وتتوهم حروبًا ومعارك وأعداء يحيطون بها ويحاصرونها.. ووصل الأمر برئيس أركان الجيش الاثيوبى أن يوجه اتهامات مباشرة لمصر وأن يصفها أيضا بالعدو التاريخى لبلاده..!
وما يحدث من اثيوبيا ليس له ما يبرره.. فنحن فى القاهرة لا ندق طبول الحرب.. ونحن فى مصر لا نكن عداء تاريخيًا أو جغرافيًا لأحد.. وإذا كانت للبعض أوهامهم فى خلق هذا العداء فإن هذا أمر يعود إلى مخططاتهم ومحاولاتهم الإضرار بمصر وهو ما يجعلهم يضعونها فى خانة العداء ويعتبرونها عدوًا لهم.
والقاهرة الملتزمة.. القاهرة المترفعة عن حوارات الصغار وعدم الانجرار إلى معارك كلامية تؤدى إلى التوتر والتصعيد.. القاهرة الحريصة على الحوار وعلاقات حسن الجوار.. القاهرة التى تعمل على استقرار القارة الافريقية وسلامة وسيادة دولها وشعوبها.. القاهرة لم يصدر عنها أى تصريح رسمى على لسان أى مسئول مصرى يحمل وعيدًا أو تهديدًا لأحد.. القاهرة لا تتحدث إلا عن حقها فى الدفاع عن أمنها.. ومصالحها القومية وهذا دورها وهذه مسئولياتها وهذا أمر لا يجب أن يغضب أحدًا.
> > >
وحين ينفعل رئيس وزراء اثيوبيا ويدخل فى تصريحات للاستهلاك المحلى والبحث عن الشعبية والزعامة فى بلاده فإنه حديث الإفك الذى يفترض سيناريوهات مختلقة ويعكس مفاهيم خاطئة فى تزوير الوقائع والأحداث لتصوير بلاده أمام العالم وكأنها تواجه خطرًا وتهديدات خارجية وأنه المغلوب على أمره الذى يواجه المؤامرات والأعداء.
ولا يستحق رئيس وزراء اثيوبيا التعليق كثيرًا.. فموقفنا واضح ووجودنا فى الصومال الشقيق لا يعنى حربًا أو عداء لأحد.. نحن هناك فى اطار قوات افريقية لحفظ السلام.. ونحن هناك بناء على رغبة الصومال فى مساعدته للحفاظ على استقراره وأمنه.. ونحن هناك لأن بيننا وبين الصومال اتفاقية دفاع مشترك.. ونحن هناك تلبية لنداء دولة كانت معنا فى حرب أكتوبر.. وكانت من الدول التى رفضت مقاطعة مصر عندما قررت العديد من الدول العربية فرض المقاطعة علينا فى أعقاب توقيع مصر لاتفاقية السلام.
وإذا كانت اثيوبيا تختلق حوار الحرب فإن المقصود به اغلاق الباب أمام حوار التفاوض حول سد النهضة حيث تصر القاهرة والخرطوم وتتمسكان بالتوصل إلى اتفاق ملزم مع أديس ابابا بشأن ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما من نهر النيل.
والمناورة الاثيوبية ليست خافية على أحد.. ولذلك كان خطاب مصر إلى مجلس الأمن تأكيدًا على هذه المعانى وتذكيرًا بالقضية الوجودية لمصر والمتعلقة بحصة المياه من الشريان الذى تعتمد عليه حياة المصريين.. وهو ما يدفعنا إلى التأكيد على ضرورة مواصلة التحرك المصرى على كل المستويات فى هذه القضية بعيدًا عن حوارات الحرب القائمة فى مخيلة إثيوبيا وقادتها.
> > >
وماذا عن العرب فى هذا الحوار.. أين هم من مساندة مصر ودعمها..؟ إن الموقف العربى بالغ الوضوح من خلال القرارات الصادرة عن اجتماعات وزراء الخارجية العرب والجامعة العربية.. وكلها تؤكد حق مصر والسودان التاريخى فى مياه النيل.. والدول العربية فى ذلك لن تتردد فى دعم مصر وفى الوقوف إلى جانبها بعيدًا عن حوارات السوشيال ميديا التى تفترض خلافات لا وجود لها والتى تتحدث عن مواقف لا أساس لها أيضا من الصحة والتى يغذيها ويدعمها نشطاء فى كتائب الكترونية شيطانية موجهة تستهدف تباعد المواقف العربية وايجاد أزمات وهمية والنفخ فى قضايا عربية لم تكن يومًا موضعًا لخلاف أو تباعد فى العلاقات.
وتتحدث السوشيال ميديا وتشير وتؤكد على وقوف أطراف عربية واتخاذها لمواقف مغايرة للاجماع العربى وهو أمر لم نجد له دليلاً ملموسًا أو واقعيًا فى مرحلة تستدعى تضامنًا وتنسيقًا عربيًا جماعيًا ضروريًا لمصلحة الجميع.
> > >
وماذا عن الدور التركى فى الحوار الحالي.. ماذا عن امكانية دخول تركيا على خط الوساطة فى أزمة سد النهضة.. ماذا لو لعبت تركيا دور الوسيط؟ إن تركيا ترتبط بعلاقات جيدة وطيدة مع اثيوبيا.. وتركيا تتمتع بخبرة كبيرة فى مجال بناء السدود وتبعاتها.. وتركيا لديها حاليا أيضا علاقات تقارب وتعاون مع مصر وتنسيق واضح فى قضايا المنطقة مثل الحرب الدائرة فى غزة.. وتركيا تتطلع إلى شراكة استراتيجية مع مصر.. ولهذا فإن الوساطة التركية قد تكون مقبولة ومهمة خاصة وأن لتركيا دورًا آخر فى الوساطة فى الأزمة الصومالية.
ولأن الوساطة وتقريب وجهات النظر تعنى فى حقيقتها محاولة التوصل إلى حلول مقبولة للجميع فإن أحدًا لا يقف معارضًا لجهود الوساطة المبنية على الفهم والدراسة.. والوساطة التى تلقى قبولاً من الجميع وتركيا فى مقدورها أن تحاول.. وفى المحاولة كل التقدير.
> > >
ونعيد التذكير.. نحن دولة سلام.. دولة حريصة على الأمن والاستقرار والتفرغ للتنمية والبناء.. نحن دولة لا تحمل السلاح لتهديد الآخرين.. نحن نحمل السلاح دفاعًا عن حدودنًا.. عن أمننا.. عن استقرارنا.. ولا نوجه تهديدًا لأحد.. ولا نحمل حقدًا أو كراهية لأحد.. نحن دولة تقود ولا تقاد.. تقود بمفاهيم العدل والحق والاحترام.. وعندما نقول إننا لا ندق طبول الحرب فإن هذا لا يعنى استسلامًا للواقع بقدر ما يعنى التأكيد على أن حوار السلام والعقل فيه دائمًا المصلحة للجميع.. ولكن لا يعنى أيضا استبعاد كافة الخيارات الأخري.
> > >
وأخيرًا:
> وإذا تمنيتم شيئًا فتمنوا أن لا يريكم الله خبث النوايا والقلوب بعد أن أحببتموها.
> > >
> وحتى اضخم الأبواب لها مفاتيح صغيرة.
> > >
> ودائمًا صباح الخير لأنفسنا التى تستحق الخير والحب والكثير من الفرح.