الحاكم الأوحد للعالم لم يعد يخفى نواياه.. ولم يعد يغلف تصريحاته أو يجملها.. واللعب صار على المكشوف.. وما كان يتم من وراء ستار.. صار فى العلن.. وما كان يخطط له فى الغرف المغلقة أصبح ينفذ فى وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من العالم.. وسقطت كل أوراق التوت.. بل شجرة التوت بأكملها لم يعد لها وجود.. وقالها بايدن بوجه مكشوف: «لو لم تكن هناك إسرائيل لخلقنا إسرائيل».. والإمداد العسكرى والسياسى والمالى الأمريكى لحكومة تل أبيب يؤكدان من يحارب.. يحارب أمريكا وليس قوات الاحتلال.. والتواجد الأمريكى غير المسبوق فى الشرق الأوسط.. يدعم سياسة الاحتلال بوضوح.
ويوم أن وقف مجرم الحرب رئيس حكومة الاحتلال يخطب فى الكونجرس :أكثر من 50 دقيقة ويستقبل من أعضاء الكونجرس استقبال الفاتحين ويصفقون له خمسين دقيقة كلما أطلق كذبه.. أو ألقى تهمة على من يدافعون عن أرضهم وقضيتهم.. وضح تماماً الموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية وأنهم يؤيدون تماماً سياسة حكومة المتطرف المتشددد الذى يعمل بكل ما أوتى من قوة وبكل ما يتلقى من إمداد أمريكى على وأد القضية الفلسطينية برمتها.. لا أرض ولا دولة ولا شعب.. وأعاد للأذهان يوم احتشدت أوروبا بأكملها لغرس الدولة الصهيونية فى أرض فلسطين.. وتصدت للرفض العربي.. بكل إمكانات أوروبا العسكرية والاقتصادية حتى تم تنفيذ وعد بلفور المشئوم.. اتحد الغرب ضد الإرادة العربية والرفض العربى لاحتلال الأرض وتشريد الأهل.. ولم تكن هناك حماس.. ولا طوفان أقصي.. ولا ما يطلقون عليه زوراً وبهتاناً إرهاب..!!.. لذلك يخطئ ألف مرة من يتصور أن هذا الحصار الرهيب وحشد الآلة العسكرية من بوارج وحاملات طائرات وقواعد وموانئ.. هدفها حماس.. وإنما هناك مآرب أخرى وأهداف دفينة.. فى مقدمتها وأد القضية الفلسطينية.. وبدء تنفيذ المشروع الصهيونى الدفين.
>>>
لقد بات واضحاً أمامنا نحن العرب.. الموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية.. ودعمها اللامحدود لتل أبيب ليس أمام غزة ولا حماس فحسب.. وإنما أمام أى عقبة فى طريق إسرائيل ومشروعها.. ويوم السادس من أكتوبر.. وبعد العبور وتفوق القوات المصرية على العدو المحتل.. بدأت المواجهة مباشرة مع قوات الجسر الجوى الأمريكى المباشر إلى مطار العريش.. والذى يتابع ما يجرى من حشد غريب من عدة دول وقطعاً بدعم خفى أمريكى – إسرائيلى للغطرسة الأثيوبية والإجراءات الأحادية التى تفاجئ العالم بها كل يوم دون أدنى اعتبار للمواثيق الدولية والاتفاقيات التاريخية فى مخالفة صريحة للنظم الدولية وتحد سافر لكل المواثيق الدولية وكل الاتفاقيات والقوانين المنظمة للأنهار الدولية المشتركة.. ورغم ذلك.. لا تجد تعليقاً أمريكياً.. ولا التفاتاً أوروبياً.. يشير حتى إلى المخالفات الأثيوبية أو تحديها لكل ما هو قانونى وإنساني.. فى تأييد دولى واضح لإحكام الحصار من كل اتجاه على المواقف المصرية الثابتة والراسخة والداعمة للحق العربى والفلسطيني.. والرفض المصرى القاطع لتصفية القضية الفلسطينية.. والتصدى الصلب للمشروع الصهيونى التوسعي.. والتأكيد المصرى الدائم على أن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة.. هو الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. والانسحاب الإسرائيلى الكامل من محور فلادليفيا.
>>>
ولا أعتقد أن التحديات التى تواجه العرب الآن.. قد مروا بها منذ نكبة 48.. ويخطئ ألف مرة من يتصور أن الحرب الإسرائيلية – الأمريكية على غزة مقصود بها القضاء على مجرد حركة حماس.. وإنما القضية الفلسطينية برمتها.. ثم تبدأ الخطوات الأخرى التوسعية الصهيونية.. وما تعرضت له غزة سوف يكون مصير أيضاً لكل من يتحدى المشروع الصهيوني.
وأصبح تحرك جامعة الدول العربية – بيت العرب الكبير – ضرورياً أكثر من أى وقت مضي مثلما حدث فى التضامن معها ضد اكاذيب نتنياهو فلا أعتقد أننا فى حاجة إلى موقف موحد قوى يدعم الموقف المصرى الثابت للحفاظ على الحقوق الفلسطينية والحقوق العربية.. الموقف الثابت الداعم لوحدة الأراضى الليبية واستقلالها وسلامتها.. وعدم المساس بوحدة الأراضى السودانية وعودة استقرارها وأمنها.. ودعم استقرار العراق والحفاظ على عروبته وسلامة أراضيه.. مواقف مصرية راسخة لا تحيد عن الحق العربى قيد أنملة.. ولا تساوم على الحقوق العربية ولها خطوط حمراء أعلنتها على الملأ.. لا تتراجع عنها.. ولا تتفاوض عليها.. قد تلتزم بصبر إستراتيجى نابع من الحكمة والثقة والثبات والقوة.. لكنها لا تفرط ذرة فى حقوقها وأمنها القومي.
إن جامعة الدول العربية – وليس المجتمع الدولى الذى بات واضحاً أنه لا يحرك ساكناً – مطالبة بموقف داعم لمصر ومواقفها من كافة الدول العربية تحت مظلة الجامعة ليدرك العالم بأسره أن العرب قوة لا يستهان بها وأنه يمكن أن يتخذ العرب موقفاً موحداً مؤثراً.. مثلما كان إبان حرب السادس من أكتوبر عندما استخدموا سلاح البترول.. مصر وطن العرب وإن طال مصر ضررٌ.. فلا جامعة للعرب.. ولا كيان للأمة.