لم تكن صدفة أبدًا عندما توجه الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تركيا بينما يشارك رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى فى قمة المنتدى التاسع للتعاون بين الصين وأفريقيا فى العاصمة الصينية بكين.. ليست مصادفة أن يلتقى الرئيس السيسى ونظيره التركى رجب طيب اردوغان فى أنقرة لإعلان بداية انطلاقة جديدة للعلاقات المصرية ــ التركية.. بينما الدكتور مدبولى يجتمع مع الرئيس الصينى شى جين وكبار المسئولين فى جمهورية الصين بحضور زعماء أفريقيا حيث يدور الحديث عن شراكة استراتيجية صينية ــ أفريقية تمثل مصر فيها حجر الأساس وبوابة العبور بالمنتجات الأفريقية إلى أوروبا وسائر انحاء العالم.
وليست مصادفة أن يشهد الرئيسان السيسى واردوغان توقيع عدة اتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين على طريق تحقيق التكامل الاقتصادى وبما يجذب مزيدًا من الاستثمارات التركية فى كافة المجالات ويرفع سقف التبادل التجارى بين البلدين إلى 51 مليار دولار.. فى الوقت الذى يعقد فيه رئيس وزراء مصر عدة اجتماعات مع رؤساء وقيادات كبرى الشركات الصينية العملاقة فى مختلف القطاعات ويؤكد مدبولى اننا جاهزون بكل الحوافز الممكنة لجذب الاستثمارات الصينية إلى مصر وتوطين الصناعات المختلفة لاسيما فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة وليست مصادفة أيضا أن يبحث الزعيمان السيسى واردوغان فى أنقرة امكانية إلغاء الرسوم الجمركية واقامة منطقة صناعية تركية باستثمارات ضخمة.. بينما يؤكد مدبولى فى بكين لرجال الأعمال والمستثمرين الصينيين ان الدولة المصرية تعتبر القطاع الصناعى قاطرة النمو الاقتصادى وان الدولة تسعى لتعزيز البنية التحتية الصناعية وتعميق الصناعة من خلال استراتيجية وطنية تقوم على عدة محاور أهمها اقامة قلاع صناعية جديدة توفر آلاف فرص العمل للشباب المصرى وتلبى احتياجات السوق المحلى ويصدر الفائض من انتاجها للخارج لتعزيز النقد الاجنبي.. وكذلك مواكبة الاتجاهات الحديثة فى الصناعة ونظم التحول الرقمى والتوسع فى الصناعات الخضراء.
استراتيجيات الدول الكبرى لا تحكمها الصدفة وإنما التخطيط السليم الواعى والنظرة الثاقبة التى ترقب المستقبل وتحدد استراتيجيات الحاضر بما يحقق المستهدف فى المستقبل.
الزيارة التاريخية للرئيس السيسى للجمهورية التركية تبعث للعالم كله وبمختلف القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية التى تتحكم فى مصير البشرية رسالة مهمة بأن مصر دولة كبيرة وقوية ومؤثرة فى المنطقة والعالم بأسره.. ولذلك يجب أن تتسم علاقاتها بالقوى المحيطة بها بالتوازن والايجابية.. وعلوم السياسة والدبلوماسية تؤكد انه لا يوجد عداء مطلق ودائم والمصالح المشتركة للدول ــ لا سيما الكبرى والمؤثرة ــ يجب أن تنتصر فى النهاية بما يحقق مصالح الشعوب ويلبى احتياجاتها.. ولذلك جاء الخطاب المصرى التركى فى انقرة واحدًا ومتحدًا ومتوحدًا فى كل القضايا الإقليمية والدولية.. وقف النار فورًا فى غزة.. توفير المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية لسكان القطاع الآن وليس غدًا.. العمل على استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولاً إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.. نفس الموقف الواحد تكرر لقضايا المنطقة الشائكة فى سوريا وليبيا والصومال والقرن الأفريقى وما أدراك ما القرن الإفريقى بمواقفها وسياساتها الاحادية الجانب فيما يتعلق بسد النهضة وعملية التصرف فى مياه النيل الأرزق.. توحد موقف القاهرة وانقرة يدعم التوجه الإقليمى والدولى نحو تحقيق السلام ورفض التصعيد فى منطقة الشرق الأوسطو يزيد كثيرًا من حالة الصراع والصدام فى الإقليم ويعزز دعوات السلام والاستقرار.
وتأتى زيارة الدكتور مدبولى للصين على نفس المسار وذات الخط الاستراتيجى المصري.. اقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى الكبرى فى العالم.. شرقًا وغربًا.. شمالاً وجنوبًا.. دون الانحياز لمعسكر بعينه.. أو الرهان على قوى وتكتلات محددة.. وهى رسالة قوية للغرب بقيادة أمريكا وأوروبا.. وتبقى الرسالة الأهم.. أن حصاد زيارتى أنقرة وبكين يصب دائمًا فى صالح الداخل المصري.. ويحقق آمال وتطلعات الشعب المصري.. فالتكامل الاقتصادى المصرى التركى الصينى من شأنه تضاعف حجم التبادل التجارى الثلاثى وزيادة الاستثمارات القادمة إلى مصر وفتح أسواق جديدة للصادرات المصرية.. وكذلك جذب شرائح جديدة من السياح نحو المقاصد السياحية المصرية.
عواد.. الروح لا تموت
ثلاث سنوات مرت على رحيل الصديق أحمد عواد أيقونة الصحافة الاقتصادية والتكنولوجية.. تمر السنوات.. وتظل الروح خالدة.. والذكرى الطيبة باقية.. نعم عواد باق فى قلوبنا وعقولنا حتى آخر الزمن.. باق بأخلاقه الرفيعة.. بروحه الحلوة.. بإنسانيته المفرطة.. بمحبته للجميع وباخلاصه وتفانيه فى خدمة الجميع.. وسيظل الجميع يتذكر عواد بموافقه ومبادراته وتصرفاته النبيلة.. فالإنسان ذكري.. وعواد ذكريات ومواقف خالدة لا تنسي.
ومثل كل عام.. لا أقول وداعًا يا صديقي.. ولكن إلى لقاء قريب.. رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته.. وألهم أهلك ومحبيك وأصدقائك وكل من عرفك بالصبر والسلوان.. وكلنا زائلون والله هو الباقي.