تحدثت فى المقال السابق عن ضرورة وأهمية المزيد من القوانين والتشريعات لتتوافق مع الواقع الجديد الذى تعيش فيه البلاد، والذى يشتمل على إعجازات وانجازات فى كافة الميادين، الحقيقة أن اهتمام الدولة المصرية بالتشريع بات ضروريا جدا جدا فى ظل هذه الظروف الجديدة التى تمر بها مصر، وقد نجحت البلاد مؤخرا فى أمرين بالغى الأهمية وهما قانون الاجراءات الجنائية الذى شهد مناقشات واسعة داخل اللجنة التشريعية بمجلس النواب وأيضا داخل اللجنة الخاصة التى تم تشكيلها فى هذا الصدد، وتم ذلك بالتزامن مع قانون الحبس الاحتياطى الذى لا ينفصل عن قانون الاجراءات الجنائية، من خلال الحوار الوطني. والمعروف أن قانون الاجراءات الجنائية يعد بمثابة تحول جديد فى سياسة مصر القانونية من أجل دولة قانونية يحكمها الدستور والقانون، ومن هذا المنطلق باتت مصر فى حاجة إلى المزيد من هذه القوانين فيما يشبه الثورة التشريعية لأن هناك الكثير من القوانين التى عفا عليها الزمن، فمنها ما يزيد عمره على الـ50 والـ70 عاما، ولم تعد صالحة للعالم الجديد الذى نحيا فيه من تطور وحداثة وتكنولوجيا وخلافه، وكانت هذه القوانين فى حينها جيدة لكن بعد هذا التطور الجديد لابد من تغييرها بما يتواكب مع المعطيات الجديدة داخل مصر الجديدة.
ومن هذا المنطلق ليس الأمر فقط فى قانون الاجراءات الجنائية، ولكن المفروض أن تشمل كل القوانين كل الوزارات بلا استثناء، فنحن فى حاجة إلى قوانين جديدة للسياحة والاستثمار مثلا وهما من الأهمية بمكان فى ظل اهتمام الدولة الكبير بالجانب السياحى والتحول نحو جذب الاستثمارات الخارجية والداخلية، والمعروف أن مجال الاستثمار يحتاج إلى تغيير مستمر فى القوانين لثلاثة أهداف مهمة. الهدف الأول هو ضمان جذب هذه الاستثمارات والثانى ضمان حقوق المستثمر والثالث ضمان تحقيق النتائج المرجوة من تشغيل وخلافه وتأثيرها المباشر على الاقتصاد الوطنى للبلاد.. وكذلك الأمر بالنسبة للسياحة فنحن فى حاجة شديدة إلى تغييرات جذرية فى القوانين المنظمة لعمل السياحة فى ظل معطيات كثيرة ولم تعد فقط السياحة فى مصر هى زيارة الآثار سواء الفرعونية أو القبطية أو الاسلامية وخلافها من الآثار. وإنما السياحة الآن باتت تأخذ منحنى آخر جديدا، وهو سياحة الشواطئ وتنمية السواحل كما حدث مثلا فى العلمين الجديدة ورأس الحكمة.
كل هذه الأمور تدخل فى إطار جذب السياحة وجذب الاستثمار، فالسياحة والاستثمار مهمان جدا فى ظل التطورات الحديثة التى تشهدها الجمهورية الجديدة، وكل هذه الأمور تحتاج إلى أهمية وجود تشريعات جديدة تتوافق مع ما تم إنجازه من مشاريع سياحية ضخمة ومن استثمارات واسعة، ولذلك لا يجوز على الاطلاق أن نتحدث مثلا عن الاستثمارات والسياحه بعيدا عن وجود قوانين جديدة تتمشى مع هذا الواقع الجديد. وهناك قواعد عامة لابد من وضعها إضافة الى تخصيص أمور وفنيات كثيرة فى هذا الشأن.
وبالتالى نحن فى حاجة شديدة إلى المزيد أولا من هذه القوانين التى تحكم أداء الاستثمار وأداء السياحة بما يعود بالنفع على الوطن والمواطن بالدرجة الأولي، وثانيا ان هناك قوانين لم تعد تصلح لمسايرة الواقع الجديد وبالتالى لابد من تغيير هذه القوانين بما يتفق مع الرؤية الجديدة. وكذلك أداء عمل الشركات السياحية لابد أن ياخذ منحنى مختلفا عما كان فى السابق، فكل عصر لابد أن تكون له القوانين المنظمة له وإذا تخلفت المنظومة التشريعية عن أداء دورها فى ظل هذه الانجازات وهذا الدور الرائع سواء فى مجال السياحه أو الاستثمار، فبالتالى يكون هناك عيب أو عوار لابد من القضاء عليه..
ولذلك وجدنا أن هناك إرادة سياسية قوية من الدولة المصرية من أجل أن تتزامن كل الانجازات فى وقت واحد.. فإذا كان هناك اهتمام بالاستثمارات، اهتمام بالمجال السياحى ولابد أيضا ان يكون هناك اهتمام كامل بالتشريعات المنظمة لأداء الاستثمار والسياحة والشركات التى تعمل فى إطارها. ومن نعم الله أن فى مصر إرادة سياسية حقيقية فى هذا الشأن، إضافة إلى وجود خبراء وفنيين متخصصين فى مجال التشريع، بما يتواكب مع الواقع الجديد. ولذلك كان لافت للأنظار ما تم فى قانون الاجراءات الجنائية عندما تم تخصيص لجنة من داخل مجلس النواب، إضافة إلى اللجنة التشريعية لمناقشة هذا القانون، وكذلك ما تم فى قانون الحبس الاحتياطى داخل الحوار الوطنى الذى إنتهى إلى عدة توصيات، بعد سماع كل الآراء فى هذا الاطار، إضافة إلى سماع المتخصصين والفنيين ممن لهم باع فى هذا الشأن .وبالتالى لابد أن نستفيد من وجود الفنيين والخبراء فى ظل كل ما يتم من إجراءات بشأن التشريعات الجديدة، فلا يجوز على الاطلاق أن يصدر تشريع بعيدا عن رأى هؤلاء الفنيين والمتخصصين فى ظل الارادة السياسية.
وفى الحقيقة أن هذا يكشف عن أمر بالغ الأهمية وهو أن هناك ديمقراطية حقيقية تتم فلا انفراد فى وضع القانون ولا الحكومة بمفردها تضع مشروع القانون، وإنما تستمع إلى كل الآراء ووجهات النظر من الفنيين والمتخصصين من أجل الوصول إلى مشروع قانون تقوم الحكومة بتقديمه إلى مجلس النواب لاقراره فيما بعد، نحن فى ظل الاهتمام بالاستثمار والسياحة لابد من إيجاد قوانين جديدة تتواكب مع هذا الأمر وإلغاء كل القوانين السابقة التى لم تعد تصلح لأداء دورها فى ظل المعطيات الجديدة فى الجمهورية الجديدة.
وللحديث بقية