د. محمد زيدان ؛ شاعر وناقد أدبي، اتسمت مشروعه النقدى بالمنهجية الظاهرة، استطاع أن يجد لنفسه فكراً نقدياً معاصراً، ومن أهم طموحاته – كما ذكر لى – أن تكون هناك بلاغة عربية معاصرة، ونظرية نقدية من قلب النص العربي، له 5 مجموعات شعرية، و4 مسرحيات، و 10 كتب نقدية يدور معظمها حول مصطلحين، أو مشروعين، هما؛ السرد الشعري، والبلاغة الجديدة، وقد فاز مؤخرًا بجائزة كتارا فى النقد الأدبى عن كتابه «بلاغة النص الروائى المعاصر»؛ فهو يؤمن أن اللغة العربية قادرة على التطور، وأن البلاغة العربية انتهى التأليف فيها فى القرن الرابع الهجري، وكل ماقدم كان مجموعة من الشروح والتفسيرات لا أكثر، ولكن الجهود الكثيرة التى حاولت ربط البلاغة العربية بالنظرية النقدية المعاصرة – كما يقول – أسهمت فى رؤى نقدية مميزة، لكن تظل الحاجة إلى نظرية عربية فكرة ملهمة،وكان للجمهورية معه هذا الحوار.
> ماذا تمثل جائزة كتارا لك؟
الجوائز نوع من التواصل الإبداعى بين أجيال نقدية وفكرية متباينة، بل وتتيح تواصلًا بين النقاد والمفكرين العرب، على مستويات مختلفة، مثل: المستوى الإبداعي- المستوى الفكرى -المستوى المنهجي، وبالتالى يستطيع الكاتب أن يرى نفسه فى مرآة غيرة، وأن يحدد موقفه من القضايا الفنية من خلال تحديد موقف الآخرين، وكذلك تكون الجوائز بمثابة الحافز النفسى على الإبداع، لأن الكاتب لايعيش فى فراغ، وإنما يعيش فى علم له محدداته المعيشية ومحدداته الاجتماعية والانسانية، ولاننسى أن التحفيز المادى من أهم أدوات التواصل الثقافى بين الشعوب، والأجيال.
> «بلاغة النص الروائي».. هو كتابك الفائز بالجائزة، فما موقعه من مشروعك النقدى والفكري؟
– ينتمى إلى النقد الروائى المعاصر، وهو بعنوان: «بلاغة النص الروائى المعاصر»، ولأن مشروعى النقدى يقوم على تطوير البلاغة العربية فرأيت النقد الروائى المعاصر فى حاجة إلى نوع من التفكير الجمالى الذى يرتبط بالنص ارتباطًا قويًا، ويكون نابعًا من تصوراته، ومرتبطًا بالسياقات الفنية والثقافية التى تحيط بالنص، ولكن اللافت أن معظم الطروحات النظرية التى تقدم نقد النص الروائى تعتمد على نظريات ومفاهيم غربية مقحمة على النص، وبرغم أنها تمثل سياقًا معرفيًا وفنيًا يجب التواصل معه، إلا أن الحاجة إلى تفكير جمالى يرتبط بالثقافة العربية يظل هاجسًا فكريًا لدى الناقد العربي، ومن خلاله يجب النظر إلى النص باعتباره صورة سياقية. ومن هنا، فإن البحث يقدم صورتين للتفكير الجمالي: الصورة الأولي: التفكير النظرى المنهجي، والصورة الثانية: التصوّر التطبيقى المرتبط بالتفكير النظري. ولذلك اعتمد التفكير النظرى على تعريف بلاغى جديد، لا يتقاطع مع الموروث البلاغى بقدر ما يرتبط بالمفهوم الجمالى والفلسفى المعاصر، من خلال هذه التصورات يدخل البحث إلى نوع من التفكير الجمالى الذى يعتمد على عناصر وأدوات بناء النص الروائي، بداية بالمنظور المؤسس للنص، ومرورًا بالمنظور المكوّن للنص، وانتهاءً بالمنظور التأويلى لتطبيق المنهج المقترح، وحتى تتضح الرؤية المنهجية أكمل البحث رؤيته من خلال التصور التطبيقى للفكرة البلاغية والجمالية على النحو الذى يجعل منها مدخلاً إلى بلاغة التفكير الجمالى فى النص الروائي. وقد تواصل البحث مع التفكير النظرى الذى اعتمدت عليه النظرية الروائية المعاصرة، وكانت فكرة «المنظور الحكائي» باعتبارها فكرة متعددة البناءات، فمن ناحية هى فكرة جمالية فلسفية، تصوّر المفهوم البلاغى اعتمادًا على رؤية النص، ومن جانب آخر هى فكرة إجرائية تقدم الأداة البلاغية من داخل النص.
واستكمالاً للفكرة البلاغية، أقدم فى كتابى الجديد عن نجيب محفوظ، افتراضًا لنظرية فى البلاغة النقدية، وفى رأيى أن البلاغة النقدية هى مستقبل النقد العربى المعاصر، لابد أن يخرج الناقد العربى من حالة النقول التى يمارسها مع النظرية النقدية الغربية، ويقدم نقدا إبداعياً يتوازى مع نظريات وفلسفات جديدة، وهذا ما فعلته مع التفكير البلاغى عند نجيب محفوظ. والرحلة مع البلاغة العربية مازالت لم تكتمل بعد.
> هل يمكن أن تتطور البلاغة العربية؟
– البلاغة العربية أهم رافد نقدى يمكن أن يلجأ إليه الناقد فى الثقافة العربية، ولأن البلاغة العربية توقف التأليف فيها منذ مئات السنين، فقد تجاوزت النصوص الأدبية المعاصرة منهجية المعيار فى البلاغة العربية، وأنا منذ عشرين عامًا أعمل على تطوير الفكر البلاغى العربي، مرة من داخل هذا الفكر، ومرة من خارجه، البلاغة الجديدة تحرر الفكر العربى من تصور الجزئيات الصغيرة إلى تصور عقلى وفكرى يأخذ بيد اللغة ومستخدميها إلى آفاق أوسع من الآفاق الجامدة التى ظلت حبيسةً قرابة ألف عام من جمود البحث البلاغي، فلا تقتصر ظلالها على اللغة، بقدر ما تتعداه إلى شكل من فلسفة اللغة العربية، أو فلسفة التصور اللغوي. وهى أيضا جزء من تفكير جديد يحول التصورات البلاغية إلى تصورات فلسفية، وبالتالى تتعدى حدود التفكير اللغوى القاصر على الاستعمال العادي، لأن النظرية يجب أن تستند إلى تصور فلسفي.. قبل أن تتحول إلى مفاهيم وبعد أن تتحول المفاهيم إلى أدوات نصية، النص فى البلاغة الجديدة ينشئ السياق، وبالتالى يتحول هذا السياق من مفهوم إلى أداة، ومن مقام خارجى إلى مقام نصي، ومن رؤية مصاحبة للنص، إلى رؤية بنائية للنص، فمن سياق مؤسس إلى سياق مكوّن، إلى سياق مؤوّل. كما أنه ينشئ المنظور السردى بكل مفرداته، ليتحول هو الآخر من مجرد وجهة نظر، أو رؤية مادية، أو فكرية إلى تصور ذهنى وبنائى عام للنص الأدبي.
طموحى فى البحث البلاغي، يحاول أن يثبت أن الموقف السردي، والموقف الحكائى مكونان بلاغيان مثلهما مثل السياق والمنظور. أما الصورة فليست هى الصورة البيانية التى يعتمد فيها الشاعر على تبادل الصفات بين فعل حقيقي، وآخر غير حقيقى وبينهما صفة مشتركة لا تحتل سوى رقعة لغوية محدودة، فلا زمان ولا مكان ولا نسق، ولا حفر للفكرة داخل السياق النصي، وهذا طرح البحث عن الصورة النسق، والصورة الفكرة، والصورة المنظور، والصورة التى تنشئ السياق. يعنى أن تتحول الصورة إلى أسلوب بنائى فى النص، تكوّنه أو تؤوّله أو تؤسّس للفكرة، سواء كانت ثابتة، أو حية، تحفر فى ذاكرة النص مفردات حياتها.
> برأيك ما المعوقات التى تقف فى طريق النقد الأدبى لدينا؟
المحاولات فى النقد موجودة فى الوسط الثقافي، ولكنها تظل حبيسة التفكير الانطباعى عند المثقف العربي، وأغلب هذه المجاملات تأتى من المبدعين؛ الشعراء والروائيون، وهى قليلة بين الأكاديميين الذين يحملون فكرًا نقديًا واضحًا.