كل المؤشرات تؤكد أن ما حدث ويحدث فى قطاع غزة والضفة الغربية وسائر الأراضى الفلسطينية المحتلة من قتل وتدمير وتهجير قسرى ، يتم بتخطيط أمريكى وموافقة أطراف دولية وإقليمية أخري، والدليل على ذلك فشل المفاوضات الجارية بين الإسرائيليين وحركة حماس، وإهمال حكومة تل أبيب لموضوع الرهائن رغم الضغوط الداخلية، فى مقابل توسيع رقعة الحرب بالضفة الغربية والتهديد بامتدادها للبنان ودول مجاورة بالمنطقة ، ثم تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو والتى يبدو فيها أنه «هتلر القرن 21» ، أو أنه مستعمر قديم يمكنه فرض شروطه بقوة السلاح وتنفيذ سلطته فى كل الأراضى التى يستولى عليها، دون أى اعتبار للقوانين والأعراف الدولية أو خشية عقوبات المنظمات الأممية.
لقد بدا منذ اللحظات الأولى لعملية «طوفان الأقصي» فى أكتوبر الماضي، أن الولايات المتحدة تستهدف الذهاب بإسرائيل إلى أبعد نقطة فى ملف القضية الفلسطينية وهى نقطة «اللاعودة»وطى قيد القضية، بمعنى أن الدعم الأمريكى لحكومة نتنياهو سواء بالإفراط فى التأكيد على «حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها « ، أو بنقل حاملة طائرات وسفن حربية أمريكية واوروبية إلى البحر المتوسط والإعلان عن استعدادها للدفاع عن الكيان الصهيونى فى اى عملية عسكرية مستقبلية ، فضلا عن الدعم العسكرى بمختلف الاسلحة وبمشاركة قادة أمريكيين فى التخطيط للعمليات الاسرائيلية فى الأراضى المحتلة، كل ذلك ساهم وبلا شك فى زيادة غرور رئيس الوزراء الإسرائيلى وأعضاءحكومته المصغرة والمتطرفة وجعلهم يواصلون العدوان على غزة إلى أن تم تدميرها بالكامل وإبادة وتهجير مئات الآلاف من سكانها، ثم اجتياح الضفة الغربية دون مبرر حقيقى ، وتدمير مناطق متعددة منها بنفس أسلوب العدوان على غزة، بما يؤشر فى النهاية أن الهدف السيطرة على كافة الأراضى المحتلة، فى قطاع غزة والضفة.
وحقيقة فإنه رغم ما يبديه الرئيس الأمريكى جو بايدن من محاولات لإخفاء التوجه الحقيقى والنهائى للولايات المتحدة فيما يتعلق بالأراضى المحتلة بالمشاركة فى مفاوضات وقف اطلاق النار بغزة، و بالإدعاء بأن واشنطن تتمسك بحل الدولتين وضمان حقوق الشعب الفلسطينى « وهى نفس اللغة التى تستخدمها نائبته ومرشحة الحزب الديمقراطى كامالا هاريس للانتخابات الرئاسية» ، إلا أن التصريح الذى اطلقه المرشح الجمهورى دونالد ترامب الأسبوع الماضى والذى نادى فيه بتوسيع مساحة اسرائيل يكاد يكون الأقرب والأكثر وضوحا فى الإستراتيجية الأمريكية، فقط فإن «ترامب» ليس لديه من دبلوماسية القول فى التعبير عما يستهدفه ، بينما «بايدن وهاريس « يتحدثان بلغة ترضى بعض القطاعات فى أمريكا غير ان هذه اللغة تظل بعيدة تماما عن الواقع بدليل تعثر مفاوضات الحل النهائى منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1994 وتدهور أوضاع الفلسطينيين منذ هذا التاريخ وحتى الآن.
الملاحظة الثانية فى هذا السياق هى أنه لأول مرة منذ اشتعال الصراع العربى -الاسرائيلى فى القرن الماضي، أن تجتمع كل الظروف فى مصلحة الكيان الصهيونى وضد حقوق الشعب الفلسطيني، ومن بين هذه الظروف: حالة السيولة التى يعانى منها العالم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، وانحياز الولايات المتحدة لإسرائيل كونها تستطيع لعب الدور المطلوب منها لتغليب المصلحة الامريكية وحلف الناتو على حساب روسيا والصين كقوتين صاعدتين فى مواجهة الهيمنة الامريكية، كذلك غياب دور مجلس الأمن والمنظمات الدولية فى ظل استخدام حق» الفيتو « من قبل امريكا وبريطانيا وفرنسا ، إضافة إلى غياب الدور العربى فى مواجهة العربدة الإسرائيلية فى المنطقة، والاكتفاء بدور مصر فى مواجهة الصلف الإسرائيلى وتحركات القاهرة لوقف العدوان على غزة ومنع تصفية القضية الفلسطينية.
الملاحظة الثالثة والأخيرة هى أن إسرائيل بعدوانها « الهمجي» على غزة واحتلالها للقطاع، إضافة إلى اجتياح الضفة الغربية ، قد خلقت أوضاعا جديدة على الأرض عنوانها الأكبر «انهيار السلام فى المنطقة»، والعودة للمربع صفر فى الصراع العربى الاسرائيلي، وهو ما يجب الالتفات إليه جيدا فى المرحلة المقبلة، والاستعداد لفعل مضاد يوقف عربدة نتنياهو وإسرائيل ويحفظ الكرامة العربية.