هلت علينا أنوار السيرة النبوية مع هلول شهر ربيع الأول لنعيش ذكريات المولد النبوى الشريف.. وبعيداً عن أحاديث المولد النبوى السنوية حول جواز الاحتفال به وحلوى المولد.. وهل هى بدعة أم لا؟.. دعونا نعش الأنوار المحمدية وهى أنوار حقيقية سبقت مولده الشريف واستمرت لأكثر من ألف عام ومئات السنين بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم.
محمد- صلى الله عليه وسلم- ليس إلا بشرا مثلنا لكن الله أكرمه بالوحي.. وأكرمه بصفات وهبات لم يهبها أحداً سواه.. لذلك فإنه فى صفاته البشرية هو القدوة والمثل الذى أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نتبعه ونطيعه ونسير على هديها وفى صفاته النبوية هو خير الخلق كلهم.. هو من صلى عليه الله وملائكته وأمرنا بالصلاة عليه والسلام تسليما ووعدنا بالخير كله إذا أطعنا هذا الأمر.. فهل يستفيد عليه الصلاة والسلام بصلاتنا بعد أن صلى عليه الله وملائكته؟ بالطبع لا.. لكن صلاتنا عليه وسلامنا رحمة لنا مهداة من رب العالمين الرحمن الرحيم!!
من أين نبدأ حديث الأنوار المحمدية؟ هل نبدأ مع مولده الشريف؟ أم مع بداية تاريخ مكة (أم القري) لتكون مكان مولده.. أم مع بداية الكون؟
الباحث والدارس للأنوار المحمدية والمتابع لسيرته سيجد ميراثا إنسانيا عقليا وروحيا ليس له قرين.. انه محمد بن عبدالله ذلك الطفل اليتيم الذى ولد بعد وفاة أبيه وماتت أمه وهو ابن ست سنوات فرعاه جده فمات الجد وعمره ثمانى سنوات.. ثم كفله عمه أبوطالب.. ذلك الطفل الذى رفضت المرضعات ان ترضعه لأنه يتيم بلا أب فأرضعته من لم تجد غيره وهى حليمة السعدية ففتح الله عليها الخير بقدوم الحبيب وهو طفل صغير.. ذلك الذى رعا الغنم عندما شب ثم فى التجارة عندما بلغ.. سيرة إنسانية صعبة لكنها الأعلى قيمة ومقاما.. ذلك النبى الذى رفض معظم أهله لأسباب مختلفة الإيمان به وهذا ليس جديداً.. فكل نبى بعثه الله واجه فى قومه الرفض بل والحرب.. لكن محمدا- عليه الصلاة والسلام- هاجر من مكة (أحب بلاد الله إليه) إلى المدينة التى أنارها الله بنوره فبعد أن كانت يثرب أصبحت المدينة المنورة بعد ان هاجر إليها الحبيب فأكرمها الله بنوره ودفن بها..!
سيرة نبى من أنبياء الله.. اختاره الله ليكون خاتم النبيين وهو أول المسلمين.. بعثه الله ليكون نورا يضيء للإنسانية كلها ضياء ورحمة وأملاً.. ويرشدها للإصلاح والصلاح والتقوى والعطاء والعمل وكما يقولون فإن شخصية محمد الفريدة أرست أغلى معانى الحياة وفجرت الثورة الروحية التى انتشرت فى العالم وحققت اتصال القوى الإنسانية بحقيقة الكون العليا مما أدى إلى معرفة أسرار الكون النفسية والروحية وجعل للإسلام الفضل الكبير فى إرساء أسس الحضارة الإنسانية وأفاد البشرية كلها وليس المسلمين وحدهم.
ولأن الرحمة هى أكثر ما تحتاجه النفس البشرية خاصة فى عصور طغيان المادة وارتفاع جنون الأنانية والبحث عن المصلحة الذاتية فإن محمدا- عليه الصلاة والسلام- أرسله الله رحمة للعالمين ولم يرسله رحمة للمؤمنين خاصة بل للعالمين جميعا ولأن الرحمة التى خلقها الله فى قلوب خلقه هى عطاء إلهى لكل مخلوقاته بما فيهم الطيور والحيوانات وكذلك الناس فإنه سبحانه وتعالى خلقه- كما يخبرنا الحبيب المصطفي- مائة رحمة كل رحمة ملء ما بين السماء والأرض قسم رحمة منها بين الخلائق بها تعطف الوالدة على ولدها وبها يشرب الوحش والطير الماء وبها يتراحم الخلائق فإذا كانت يوم القيامة قصرها على المتقين وزادها تسعا وتسعين ومن هنا نفهم قوله عليه الصلاة والسلام لا تنزع الرحمة إلا من شقي.. لذلك قال رسولنا الكريم عن نفسه- وهو لا ينطق عن الهوي- أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة».
أنوار السيرة المحمدية نحتاج إلى كتب لنكتب عنها بل كتب الكثيرون عنها مسلمين وغير مسلمين.. عرباً وأجانب واتفقوا جميعا على أنه رحمة مهداة وأن شخصيته المحمدية التى آثرها الله من قبل مولده كانت غرسا حقيقيا لجنة العطاء فى الأرض وجنة الإنسانية والرحمة فى الكون.. لذلك اتفق العالم كله- بما فيه غير المسلمين- على شخصية محمد العظيمة.. فهذا مايكل هارث صاحب كتاب «الخالدون مائة أعظمهم محمد» يقول: محمد هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحا مطلقا على المستوى الدينى والدنيوى وهو من دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا.. وبعد 13 قرنا من وفاته فإن أثر محمد- صلى الله عليه وسلم- مازال قويا متجددا.