تأمين الغذاء والطاقة والنقد الأجنبى.. لمواجهة التقلبات السياسية فى المنطقة
حرصت مصر على توفير مخزون استراتيجى للسلع طبقا لأهميتها وطبيعة استهلاكها فى السوق المحلية وخاصة النفط والسلع الغذائية والنقد الاجنبي والقمح وبكميات كبيرة بهدف تغطية احتياجات البلاد لفترة تتراوح ما بين شهر الى 9 أشهر..
أكد الخبراء المصرفيون والطاقة و التموين لـ « الجمهورية الأسبوعى « ان مصر نجحت ان تكون فى المنطقة الآمنة من الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الغذائية و الطاقة والنقد الأجنبي بهدف تأمين التقلبات غير المتوقعة فى ظل التوترات الجيوسياسية التى تحيط بالمنطقة وكجزء من أدوات الطوارئ التى يمكن ان تستخدمها الحكومة فى أى وقت.
قال د.عادل عامر،رئيس مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية إن سياسة العمل على تكوين مخزون استراتيجى تهدف إلى تأمين التقلبات غير المتوقعة مثل الهبوط المفاجئ فى الإنتاج المحلى والعالمى والكوارث الطبيعية والمتغيرات السياسية الدولية، الأمر الذى يتطلب ضمان الاحتفاظ بقدر من المواد الغذائية والاستراتيجية يكفى لتغطية نحو ثلث الاستهلاك المحلى سنوياً، بما يسمح بالتعاقد على استيراد تلك السلع وضمان تغطية الاستهلاك المحلى لحين وصول القدر المتعاقد على استيراده، موضحا ان المخزون الاستراتيجى الذى نديره يعد جزءًا من مجموعة أدوات الطوارئ التى يمكن للحكومة استخدامها عند حدوث أزمة إمداد وطنية، ويتمثل دورها فى هذه الحالة فى إمداد السوق المحلى فى أسرع وقت بالمشتقات النفطية والغاز البترولى المسال اللازم لضمان استمرارية وديمومة الحياة.
وأوضح ان ملف الأمن الغذائى يشكل أولوية قصوى للدولة المصرية، حيث تعمل الدولة على مسارات متوازية لتحقيق هذا الهدف، والذى يتمثل فى النهوض بالسياسات الزراعية وإطلاق المشروعات القومية العملاقة لتوفير السلع الغذائية وزيادة الإنتاج، إلى جانب تنويع مصادر الواردات، وتطوير سلاسل التوريد، فضلاً عن تفعيل المزيد من أدوات الرقابة وضبط الأسواق لمنع الاحتكار ورفع الأسعار، ما أسهم فى توفير احتياطيات تخزين استراتيجية من السلع الأساسية والإبقاء عليها فى الحدود الآمنة، وتعزيز قدرة الاقتصاد المصرى ومرونته فى مواجهة التداعيات المترتبة على الأزمات والمتغيرات السياسية والاقتصادية فى العالم، وهو ما بات محل تقدير وإشادة من جانب مختلف المؤسسات الدولية المعنية .
وأشار، الى ان مصر ضاعفت جهودها لتوفير مخزون استراتيجى آمن من السلع الأساسية وتتبنى سياسات فعالة لضبط ومراقبة الأسواق والسيطرة على الأسعار، حيث إن الهدف من إنشاء هذه المستودعات الاستراتيجية، هو مضاعفة المخزون السلعى على مستوى المحافظات المصرية، وتقليل الفاقد من السلع، وأيضاً تقليل حلقات التداول، ومراعاة التوزيع والتنوع الجغرافى لتلك المستودعات، بجانب متابعة المخزون السلعى من خلال الربط الإلكترونى لجميع المستودعات الاستراتيجية، الأمر الذى يُسهم فى إمكانية التخطيط المستقبلى «المكانى والزمني» للاحتفاظ بالسلع بشكل «آمن»، كذلك العمل على سهولة التداول الداخلى والحفاظ على جودة السلع.
ويري، انه من خلال التحولات الجيوسياسية والتعامل بشكل استراتيجى مع هذه التغيرات، تستطيع مصر تعزيز علاقاتها التجارية ومرونتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي، ويعد تنويع الشراكات التجارية، وتعزيز مرونة سلسلة التوريد، وتشجيع التسويات التجارية غير الدولارية، وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر المتنوع، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الإقليمية، والاستثمار فى رأس المال البشرى والابتكار، خطوات حاسمة لمصر لتأمين مستقبل مزدهر فى الاقتصاد العالمى المتطور، ومن خلال تنفيذ هذه التوصيات المتعلقة بالسياسات، تستطيع مصر التخفيف من المخاطر المرتبطة بالتحولات الجيوسياسية وتجزئة التجارة مع الاستفادة من الفرص الناشئة، موضحا، ان المشاركة فى المبادرات الاقتصادية الإقليمية والعالمية وتعزيز التعاون الدولى من شأنها أن تزيد من تعزيز القدرة التنافسية لمصر وضمان النمو الاقتصادى المستدام.
وأضاف، انه يجب على الدولة المصرية أن تظل يقظة واستباقية فى التكيف مع المشهد الجيوسياسى المتغير، وتحويل التحديات العالمية إلى فرص للتقدم الاقتصادى والقدرة على الصمود وتعزيز دور مصر فى منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من خلال تشجيع التجارة والاستثمار الإقليميين،والمشاركة فى المنتديات والمبادرات الاقتصادية الإقليمية لتعزيز التعاون وتعزيز روابط النقل والخدمات اللوجستية مع الدول المجاورة لتسهيل التجارة، ويمكن لمصر أن تعزز دورها كجهة وصل من خلال بنيتها التحتية وقدراتها اللوجستية.
قالت، د. سهر الدماطى الخبير المصرفي إنه لابد ان يتم تغطية الاحتياطي النقدى للدولة فترة تمتد من 7 الى 8 أشهر بهدف الاستيراد و الوفاء بالتزامات الاستثمار والمعاملات وخدمة الديون الخارجية وحتى يكون هناك مخزون استراتيجي آمن لكافة انواع السلع الأساسية، موضحة ان الاحتياطى النقدي يعد معيار قوة وضعف الدولة اقتصاديا وهو الذي يجعل الدولة قادرة على تلبية التزاماتها تجاه المؤسسات الدولية والإقليمية مما يعطى الدولة ثقة أمام تلك المؤسسات.
اشارت إلى أن الدولة استطاعت زيادة الاحتياطى النقدى الى 46.6 مليار دولار مقابل 35.5 مليار دولار فى النصف الأول من العام المالى الحالي مع توقعات لزيادته الى 51 مليار دولار خلال الفترة القادمة نتيجة السياسات النقدية التي اتخذها البنك المركزى للسيطرة على التضخم والحفاظ على مستوى مناسب من الفائدة بالاضافة الى الاجراءات التى اتخذتها الدولة منها زيادة الاستثمار الأجنبى وكذلك عوائد قناة السويس و السياحة و زيادة الاستثمار الخارجى الى 15 مليار دولار وزيادة الأذون التي وصلت الى 35 مليار دولار وتحويلات المصريين بالخارج، مضيفة ان المطلوب خلال الفترة القادمة للحفاظ على ذلك المستوى الآمن من الاحتياطى النقدى التركيز علي الاستثمار بشكل كبير والاعتماد على الانتاج بهدف التصدير.
قال د.جمال القليوبى خبير البترول والطاقة ان الدولة تقوم حالياً باستخدام استراتيجية قومية منذ 2017 لتأمين مستوي معقول من الطاقة للاستخدام المحلي بحيث تنتقل من مستوي العجز فى الطاقة الى مستوي الوفرة والفائض ايضا وذلك نتيجة حجم الاكتشافات التي حدثت خلال الفترة السابقة والمحتملة خلال الفترة القادمة مؤكدا ان الدولة تستهدف تأمين احتياطى استراتيجي من الطاقة القادمة لأكثر من 20 عاما قادمة.
أضاف، ان الدولة بدأت منذ سنوات تعتمد على بدائل الوقود التقليدى من البترول والغاز الطبيعى بالاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 19٪ والطاقة الكهرومائية بنسبة 9٪ والنووية بنسبة 15٪ موضحا،ان الدولة بدأت فى تأسيس بنية تحتية متطورة لاستيعاب الأجيال القادمة بتجديد شبكة نقل الكهرباء و التغيير من نمطية المحطات العادية للعملاقة بهدف التحول من أحادية مصادر الطاقة الى تعدد مصادر الإنتاج حيث تنتج 500 كيلو فولت مقابل 250 كيلو فولت موضحا ان مصر أنفقت 3 تريليونات جنيه على ملف الكهرباء وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص واستطاعت تعويض النقص الذى بلغ 4000 ميجا وات خلال الفترة الماضية
وأوضح، ان قطاع البترول المصري يحتوى على خطط مستقبلية حيث يوجد بمنطقة البحر المتوسط سواء الاقليمية او منطقة دلتا نهر النيل كميات كبيرة من الاحتياطات غير المكتشفة حتى الان والتي تحتوى علي مناطق الاكثر تكوينا للغاز الطبيعى والتى تمتد حتي شواطئ قبرص وان ما تم اكتشافه من الغاز لا يتجاوز 30٪ مما نمتلكه بالفعل وأنه يوجد 91 تريليون قدم مكعب من الغاز احتياطى استراتيجي، مشيرا الى ان الدولة انتهجت منذ عام 2018 الاتجاه لاستخدام بدائل الوقود الاحفوري عن طريق تنفيذ مشروعات للطاقة المتجددة من محطات الرياح بمعدل إنتاج 1884 ميجاوات بجبل الزيت و الزعفرانة و خليج السويس و امونت بقدرة إنتاج متوقعة 1000 ميجاوات و مشروعات تحت التطوير بقدرة 2450 ميجاوات مثل محطة انفينتي و البحرالاحمر 2 و سيمنس والسويس بالإضافة الى مشروعات مخطط تنفيذها خلال الخمس سنوات القادمة بقدرات تصل الى 28000 ميجاوات.
أضاف، انه بالنسبة للطاقة الشمسية فقد وصل انتاجنا المنفذ الحالى 1910 ميجاوات من محطة بنبان و الزعفرانة و الوادى الجديد و كوم امبو ومحطة أبيدوس و محطات تحت التطوير بقدرة انتاجية تصل الى 1020 ميجاوات تتضمن الغدقة و ابيدوس 2 و تستهدف الدولة خلال الخمس سنوات القادمة إنتاج طاقة شمسية بقدرة انتاجية 11000 ميجاوات و انه بحلول 2029 تستهدف إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بنسبة 42% والطاقة النووية من محطة الضبعة بنسبة 3% ومن الغاز الطبيعى بنسبة لا تزيد عن 55% بحلول عام 2027 بدخول أول وحدة من المفاعل النووي مع توالي دخول الثلاث وحدات تباعا.
قال،المحاسب هشام كامل الخبير التموينى ان ملف الأمن الغذائي له الأولوية لدى الحكومة حيث تعمل على عدة محاور لتحقيق التوازن فى هذا الملف للوصول الي احتياطى استراتيجي غذائي يفي باحتياجات السكان علي المدى البعيد لمدة 6 أشهر على الأقل لمختلف أنواع السلع الغذائية من قمح و حبوب وزيت وسكر و أرز و كافة انواع السلع الاخري موضحا، ان هناك اهتمامات غير مسبوقة للنهوض بالسياسة الزراعية مع الاهتمام بالمشروعات القومية لتوفير السلع الغذائية وزيادة الإنتاج وتنويع مصادر التوريد وتطوير سلاسل التوريد بهدف توفير احتياجات تخزين آمنة و ابقائها فى المستويات الآمنة.
أضاف،ان ملف الحفاظ على الأمن الغذائي يفرض تحديات على الدولة و خاصة فى ظل زيادة الطلب الاستهلاكي بسبب النمو السكاني وبالإضافة الي ما يشهده العالم من أزمات اقتصادية وجيوسياسية و مناخية، مشيرا الى ان وزارة التموين بدأت فى تنفيذ توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنشاء أكبر مشروع قومي لإنشاء مستودعات استراتيجية للمنتجات الغذائية لضمان سلامة وجودة المنتجات مع تأمين مخزون استراتيجي من المنتجات الغذائية على مدار العام، موضحا انه جار حاليا تنفيذ ثلاثة مستودعات استراتيجية بمحافظات الفيوم والسويس والأقصر كمرحلة أولي والتى تستهدف مضاعفة المخزون من السلع و تقليل الفاقد و الهالك و تقليل حلقات التداول ورفع كفاءة المخزون السلعي و جودته موضحا ان تلك المستودعات تعمل على الحفاظ على المخزون الاستراتيجي من كافة السلع وخاصة الاساسية لمدة قد تصل الى عام كامل وكل مستودع يخدم من 4 الى 5 محافظات لمدها بالسلع الغذائية.
أضاف، ان رصيد الدولة من القمح محلي ومستورد 770 ألف طن يكفي لمدة قد تصل الى 9 أشهر والسكر التمويني يكفى حتى 19 شهرا والزيت التمويني إلي 6 أشهر موضحا ان مجلس الوزراء قدم وثيقة برنامج عمل الحكومة فى الفترة من 2024-2027 والتى تستهدف التوسع الافقي و استصلاح الأراضى لضمان تلبية احتياجات الأسواق لمدة قد تصل الى 9 أشهر وتنويع مصادر الحصول عليها و تسهيل عمليات استيراد السلع الاستراتيجية ووضع ضوابط على التصدير فى اطار قانونى كما تتضمن الوثيقة زيادة المساحات المزروعة من القمح والمحاصيل الاستراتيجية الأخري واستمر العمل على زيادة الإنتاجية والاستمرار فى تنفيذ مشروع القومى للصوب الزراعية وضمان استقرار السلع والتنبؤ بالأزمات المستقبلية لتلافيها.
وأضاف ان الوثيقة تضمنت ايضا تطوير البوابة الإلكترونية لاسعار السلع و إطلاق منصة إلكترونية لتداول الحبوب و الدواجن و اللحوم بهدف ربطها والمشترين المحتملين .