نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) نبى الإنسانية ورسولها، فقد جاءت رسالته رحمة للعالمين، للناس كافة، حيث يقول الحق سبحانه :»وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ « ويقول سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا»، ويقول نبينا (صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ».
وقد تضمنت رسالته (صلى الله عليه وسلم) كل معانى الرحمة والإنسانية وتكريم الإنسان لكونه إنسانًا بغض النظر عن دينه أو لونه أو جنسه أو لغته، يقول الحق سبحانه: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»، فكرم الإنسان على إطلاق إنسانيته دون تفرقة، وحفظ له ماله وعرضه ودمه وكرامته وإنسانيته.
وقد تجلت الأبعاد الإنسانية فى جميع جوانب حياة نبينا (صلى الله عليه وسلم): فى عباداته ، وفى معاملاته ، و فى سائر تصرفات عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
لقد كان (صلى الله عليه وسلم) خير الناس لأهله، وخير الناس لأزواجه، وخير الناس لأصحابه، وخير الناس للناس أجمعين ، وهو القائل: «خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلى « ، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول عن أم المؤمنين السيدة خديجة (رضى الله عنها): « آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ، وَوَاسَتْنِى بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِى النَّاسُ، وَرَزَقَنِى الله (عَزَّ وَجَلَّ) وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِى أَوْلَادَ النِّسَاءِ»، وظل وفيًّا لها طوال حياتها وبعد وفاتها، فكان يكرم صديقاتها ومن كن يأتينه على عهدها، فقد جاءت عجوز إلى بيته (صلى الله عليه وسلم) فقال لها: مَنْ أَنْتِ ؟ « قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ الله، فَلَمَّا خَرَجَتْ قالت عائشة: يَا رَسُولَ الله، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: « إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»، وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول عن سيدنا أبى بكر الصديق: «ما لِأَحدٍ عندَنَا يَدٌ إلَّا وقَدْ كافأناهُ ، ما خلَا أبا بكرٍ ، فإِنَّ لَهُ عِندنَا يَدًا يُكافِئُهُ اللهُ بِها يَومَ القيامَةِ ، ومَا نفَعَنِى مَالُ أحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعِنى مالُ أبى بِكْرٍ « .
لقد كان (صلى الله عليه وسلم) أرحم الناس بالناس وبخاصة الأطفال والضعفاء، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): «إِنِّى لَأَقُومُ فِى الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِى صَلاَتِى كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ».
والذى نتعلم من هذه الإنسانية هو أن نحمل هذه المُثُلَ الراقية فى حياته (صلى الله عليه وسلم) للإنسانية جمعاء، حيث علمنا القرآن الكريم أن نقول قولًا حسنًا للناس جميعًا، حيث يقول الحق سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»، بل أمرنا أن نقول التى هى أحسن، حيث يقول سبحانه: «وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ».
كما نتعلم من هذه الإنسانية التراحم والتكافل فيما بيننا ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): « ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلم » ، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا فى الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ، جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ فى ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ فى إناءٍ واحِدٍ، بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّى وأنا منهمْ»، فيا ليت الدنيا كلها تتعلم وتنهل من فيض إنسانيته (صلى الله عليه وسلم) ما يتنقذها من بحار الدم وقتل النساء والأطفال بلا رحمة ولا إنسانية ، بما يشكل تهديدا خطيرا لحياة البشر وإنسانيتهم التى لا استقامة لأمرهم بدونها .