إسرائيل.. أكذوبة كبري.. تحولت الى واقع سياسى وجغرافى فوق أرض فلسطين.. بقوة الاستعمار البريطاني.. وبأموال وأسلحة هائلة تتدفق عليها يومياً من الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا ما يعترف به الباحث الأكاديمى الإسرائيلى شلومو ساند فى كتابين أصدرهما فى باريس ولندن وتل أبيب بين عامى 2012 و2014.. الأول تحت عنوان «اختراع الشعب اليهودي».. والثانى تحت عنوان «اختراع أرض إسرائيل».. يؤكد فيه أن أكاذيب الصهيونية العالمية ادعت أن الأرض المقدسة فى فلسطين.. هى الوطن القومى لليهود.
يتوقف شلومو ساند أمام الاستيطان الصهيونى فى فلسطين.. واقامة دولة إسرائيل.. ويؤكد أن من الأكاذيب الكبرى للصهيونية الادعاء بأن أرض فلسطين هى أرض الأجداد اليهود.. الذين لهم الحق التاريخى فى أرض فلسطين وأن يهود العالم.. يجمع بينهم الحنين إلى أرض الميعاد منذ آلاف السنين.. ويتساءل المؤلف ويقول.. أى يهود.. وأى شعب؟!
يتعمد المؤلف فى هذا الكتاب أن يهدم تماماً أسطورة الشعب اليهودي.. وأسطورة الحق التاريخى لليهود.. فيما يسمى بأرض إسرائيل.. فلسطين.
يحطم هذا الكتاب كل الأساطير الصهيونية الكاذبة.. حول التاريخ اليهودى والإسرائيلي.. فلم يتعرض اليهود للطرد والشتات من أرض فلسطين خلال القرن الأول الميلادى على أيدى الرومان.
ولا يمكن اعتبار الشعب اليهودى على مدى ألفى عام أنه يمثل جماعة عرقية محددة أو أنهم يمثلون الأمة التى عادت فى النهاية للأرض التى تحدث عنها الكتاب المقدس فى التوراة.
يؤكد شلومو ساند أن أغلبية يهود العالم اليوم ينتمون لآباء وأجداد تحولوا من دياناتهم الأصلية إلى الدين اليهودى وانتشروا فى كل أنحاء الشرق الأوسط وشرق أوروبا.
وتمت بعد ذلك عملية تشكيل الشعب اليهودي.. والأمة اليهودية.. رغم أن هذه الجماعات من اليهود لا يجمع بينها شئ على الاطلاق إلا القضية المصطنعة الزائفة للأمة اليهودية.. التى لم يكن لها وجود تاريخى على الاطلاق.
أكذوبة الشعب اليهودي
لكن الصهاينة اليهود فى أوروبا فى أواخر القرن التاسع عشر.. شاهدوا ظهور النزعات القومية لشعوب أوروبا فى ذلك الوقت.. وقام الصهاينة بتجاوز كل الحدود والحقائق.. وتراجع حاخامات اليهود إلى الوراء.. ليقوم الصهاينة باختراع ما يسمى بالهوية القومية لليهود وهذا أمر لم يعرفه اليهود فى حياتهم على الاطلاق.
هكذا.. تم اختراع أكذوبة الشعب اليهودي.
وكانت الأكذوبة الكبري.. حين وقت ديفيد بن جوريون يعلن قيام دولة إسرائيل فى 15 مايو 1948.. حيث قال: إن الشعب اليهودى نشأ فى أرض إسرائيل.. وتم طرده من وطنه على أيدى الغزاة الرومان خلال القرن الأول الميلادي.
يؤكد شلومو ساند أن ما قاله ديفيد بن جوريون أكذوبة كبرى ومغالطة كاملة فلم يحدث مطلقاً أن كان هناك شئ اسمه الشعب اليهودي.. لكن كانت هناك فقط ديانة يهودية!!
وهكذا يتضح أن طرد وشتات اليهود لم يحدث نهائياً.. وبالتالى لم تحدث عودة للشعب اليهودى إلى أرض فلسطين.. كما ادعى ديفيد بن جوريون وغلاة الصهاينة.
يكشف الكتاب بالوثائق التاريخية.. كل أكاذيب ومغالطات الصهيونية والاستعمار والاستيطان فى فلسطين.. فلا يوجد شئ اسمه الشعب اليهودي.. فقد تم اختراع الشعب اليهودى من العدم.. كما تم اختراع «أرض إسرائيل» واختراع الأكذوبة الكبيرة بأن الأرض المقدسة فى فلسطين.. هى أرض إسرائيل.
ومن أكبر الأكاذيب فى هذا العصر.. أن يتم اتهام أبناء الشعب الفلسطيني.. بالإرهاب.. وهم أصحاب الأرض.. فى حين أن قوة الاحتلال الصهيونية.. لها حق الدفاع عن النفس.. تحت لافتة كاذبة كبرى اسمها دولة إسرائيل.
يؤكد الواقع التاريخى أن إسرائيل اقيمت فى فلسطين بالحرب.. وهذه الحرب هى التى أنهت السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط.. ولن يعود السلام والاستقرار للمنطقة إلا بزوال السبب.. إسرائيل.
إسرائيل تحترق
لكن العالم يتساءل الآن.. ماذا يحدث فى إسرائيل؟!
وماذا يجرى فى جبهات القتال.. فى الحرب على قطاع غزة.. وفى الاشتباكات اليومية فى الشمال مع ميليشيات حزب الله؟! وما مصير المواجهة المحتملة بين إسرائيل وإيران؟
وكيف يمكن أن تتوقف الحرب.. ويتم الافراج عن الرهائن؟!
يقولون الآن ان إسرائيل تحترق.. وقالوا إن قلب إسرائيل يتحطم بعد استعادة جثث ستة من الرهائن من قطاع غزة.. أحدهم أمريكي.
وتحدثت الصحف فى تل أبيب عن قلب إسرائيل الذى يحترق بنيران مظاهرات الاحتجاج الواسعة.. والإضراب العام الذى أصاب الحياة بالشلل فى كل مدن إسرائيل.. أكثر من 750 ألف مواطن إسرائيلى شاركوا فى المظاهرات وفى الاضراب العام.
الرأى العام الإسرائيلى يطالب الآن بعدم الاستسلام لنتنياهو الذى ألقى خطابا.. بعد الاضراب والمظاهرات الشاملة فى إسرائيل.. أعلن فيه أنه لا يريد انهاء الحرب.. وقالها ثلاث مرات.. وهذا يعنى أنه لا يريد الافراج عن الرهائن!!
واتهمت صحيفة جيروزاليم بوست نتنياهو بالفشل.. وقالت إن فشل نتنياهو.. يقتل الرهائن فمازالت تكتيكات نتنياهو كما هى لم تتغير.. رغم خسائر إسرائيل الفادحة سواء فى الحرب على حماس فى قطاع غزة.. أو فى المعارك الدائرة فى الشمال مع حزب الله على الحدود مع لبنان.
أكدت صحف إسرائيل بالاجماع وجود «أزمة قيادة» عميقة داخل إسرائيل هناك غياب كامل للقيادة القادرة على مواجهة أخطر أزمة واجهت إسرائيل على مدى 75 عاماً حتى الآن.
إسرائيل.. دولة فاشلة
المظاهرات العامة الشاملة والاضراب فى المؤسسات والهيئات العامة والخاصة.. تؤكد حالة الغضب الشامل فى الشارع الإسرائيلي.. بما يؤكد أن دولة إسرائيل فى حالة فشل هائل.. ليس له مثيل منذ هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن.
فقد فشلت إسرائيل فى حماية مواطنيها وجنودها وحدودها وواصل نتنياهو الحرب على مدى 11 شهراً حتى الآن.. وفى النهاية كانت النتائج كارثية ومأساوية على دولة إسرائيل والمواطن الإسرائيلي.. وفى عيون العالم.. أصبحت هى دولة الاحتلال.. التى ترتكب جرائم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة.
وتتعرض إسرائيل الان لخسائر يومية فى جنودها ومواطنيها.. ليس فقط فى غزة.. لكن حتى فى الضفة الغربية ومع حزب الله فى الشمال.
الاضراب العام فى إسرائيل يشكل ضربة جديدة لاقتصادها الذى يتحطم.. بالاضراب مرة وبالحرب عشرات المرات.
الفشل السياسى والعسكري.. يتطلب ضرورة احداث تغيير سياسى شامل داخل إسرائيل.. الإسرائيليون يشعرون بالاحباط إلى درجة الجنون.
وأصبحت حكومة نتنياهو موضع احتقار المواطن الإسرائيلي.. وكل غضب الشعب الإسرائيلى موجه الآن كطلقات الرصاص إلى صدر بنيامين نتنياهو.. رئيس الوزراء.
فى الماضي.. كانت إسرائيل تلتزم بمبدأ اسحاق رابين.. الذى كان يفضل دائماً انقاذ الرهائن.. الآن لابد ان تكون الأولوية للافراج عن الرهائن.. وانهاء الصراع مع حركة حماس.
الإسرائيليون لا يتساءلون الآن عن الحرب الراهنة ومتى تنتهى فقط.. بل إن التساؤلات امتدت حتى إلى دولة إسرائيل.. من هي.. وكيف يمكنها مواجهة الأزمات فى المستقبل؟..
المتظاهرون يطالبون باسقاط نتنياهو.. وعودة الرهائن وتحولت مدينة تل أبيب إلى مركز رئيسى لأسوأ مظاهرات شاملة فى تاريخ إسرائيل.. المتظاهرون يحتشدون فى الميادين والشوارع وعلى محاور الطرق الرئيسية وحول منزل نتنياهو ومقر وزارة الدفاع الإسرائيلية فى تل أبيب.
الشلل الإستراتيجي
المظاهرات والاحتجاجات اشتعلت فى إسرائيل منذ ليلة الأحد وحتى اليوم.. ويؤكد المتظاهرون أن الهدف الأول للحرب هو عودة الرهائن.. وأن الأولوية لعودة الرهائن أحياء وليس لأى شئ آخر.
وهدد اتحاد العمال فى إسرائيل – الهيستدروت- بأن تمتد المظاهرات والاضرابات حتى الثلاثاء رغم التهديد بالخصم من مرتبات من يشاركون فى الإضراب.
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن إسرائيل لا تعانى فقط من اضرابات أصابت الحياة بالشلل فى تل أبيب لكن تعانى فى الواقع من شلل استراتيجى حقيقي.. وانعدام القدرة على الاعتراف بالواقع.. وهى أن إسرائيل من المستحيل ان تنتصر فى الحروب الدائمة المتصاعدة.. مع كل جيرانها.
وفى النهاية.. نجد أن الشعب الفلسطينى فعلاً.. لم تعد لديه بدائل سوى رفض الاحتلال الإسرائيلي.. ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي.. وإسرائيل أيضاً.. لم يعد لديها بدائل.. سوى القبول بالحقوق الطبيعية للشعب الفلسطينى فى السيادة والدولة المستقلة.. أو أن تواصل الحرب إلى الأبد.
الحقائق المريرة
وتتحدث صحف تل أبيب صراحة عن الحقائق المريرة التى يعيش فيها كل مواطن فى إسرائيل.. وهى أن استراتيجية نتنياهو الفاشلة قد انتهت بمصرع الرهائن بنيران القنابل والصواريخ الإسرائيلية فى غزة.
ولأول مرة يتعرض نتنياهو للاتهام باغتيال الرهائن بغارات الطيران الإسرائيلى على رفح وخان يونس.
وذكرت تقارير إسرائيلية أنه يوجد مواطن إسرائيلى يدعى جيرشون باسكين.. كان هو الوسيط الذى تفاوض مع حماس فى صفقة الافراج عن الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط.. هو يؤكد حالياً انه توصل فعلاً لاتفاق مع حماس للافراج عن 107 من الرهائن على مدى 3 أسابيع.. مقابل انهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة والافراج عن عدد من السجناء الفلسطينيين داخل إسرائيل.
وذكرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية ان نتنياهو يتحدث عن النصر.. لكنه فى الواقع النصر الكاذب.. بطعم الهزيمة.. نتنياهو يدعى النصر.. والشعب الإسرائيلى يشعر بالهزيمة والفشل.. ويؤكد الواقع العسكرى فى معارك إسرائيل مع حماس وحزب الله وإيران.. أن أمريكا.. هى التى أنقذت إسرائيل من الهزيمة الكاملة.. بعد هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023.. كما حدث خلال حرب أكتوبر 1973.
النصر.. المستحيل
وفى النهاية.. لا يمكن لإسرائيل البقاء إذا تورطت فى حروب أبدية لا نهاية لها ومن المستحيل أن تنتصر فيها.. إسرائيل لا يمكنها الانتصار على كل جيرانها.
نعم.. أمريكا تنتصر لإسرائيل فى كل حروب الشرق الأوسط.
ولكن إلى متي.. يمكن لأمريكا أن تقوم بحشد أساطيلها وقواتها وقواعدها فى الشرق الأوسط.. من أجل الدفاع عن إسرائيل؟!
.. أى حرب.. لابد لها من نهاية.. ونتنياهو.. لابد له من نهاية.
الشرق الأوسط.. إلى أين؟! لا أحد لديه إجابة واضحة.
إسرائيل تؤكد أنها لا يمكن أن تتعايش طويلاً مع تهديدات حزب الله على الحدود مع لبنان.
وإسرائيل لا يمكنها التعايش طويلاً مع تهديدات إيران.. سواء برنامجها النووي.. أو ما لديها من ترسانة هائلة من الصواريخ والطائرات المسيرة.
مسألة وقت
وهذا يعنى أن التصعيد العسكرى الإقليمى فى الشرق الأوسط.. مسألة وقت.. وحسابات سياسية إسرائيلية.. وأمريكية!!
هناك حسابات دقيقة تجرى فى واشنطن وتل أبيب وبروكسل.. للمخاطر والتداعيات.. وهناك حسابات ومحاولات للبحث عن الفرص المحسوبة.. والمخاطرة العسكرية المحسوبة.. واتضح ان القضية تتعلق بقرار استراتيجى أمريكي.
هل يمكن لأمريكا أن تتقبل بالتورط فى حرب إقليمية واسعة كبرى فى الشرق الأوسط؟!
ويقال فى واشنطن أن الرئيس بايدن قد لا يتمكن من اتخاذ قرار سياسى بالحرب ضد إيران.. خلال أيامه الأخيرة فى البيت الأبيض.
ولا يمكن أن يكون قرار الحرب ضد إيران وحزب الله.. هو الميراث السياسى والعسكرى الثقيل الذى يتركه للرئيس أو الرئيسة الأمريكية القادمة.. وهل يمكن أن تعود أمريكا إلى مسلسل الحرب الأبدية فى الشرق الأوسط؟!
نهاية الحلم الأمريكي
وقد اعترف مؤخراً الأمريكى استيفين كوك بأن الطموح الأمريكى فى الشرق الأوسط قد انتهي.. أو أن الحلم الأمريكى فى الشرق الأوسط قد انتهي.. بفشل انقلابات الربيع العربى ومحاولات أمريكا اسقاط وتغيير نظم الحكم فى العالم العربي.
فقد تغير النظام الدولي.. وتغيرت المصالح القومية الأمريكية فى الشرق الأوسط.. بعد سلسلة المغامرات العسكرية المأساوية التى تورطت فيها أمريكا على مدى 20 عاماً.. وتكلفت أمريكا أكثر من 7 تريليونات دولار.. ثمناً للحرب والاحتلال فى العراق وأفغانستان وهذا يؤكد وجود فشل استراتيجى أمريكى واضح فى الشرق الأوسط.. وفى النهاية أصبحت أمريكا فى مواجهة فى حرب بلا دخان مع العملاق الصاعد فى الصين.
وهذا يعنى الحروب والمعارك لا تدور بالحديد والنار فقط كما فى أوكرانيا وفى حروب إسرائيل بالشرق الأوسط.. لكن الصراعات الاستراتيجية بين أمريكا والصين حالياً ليس لها اسم سوى أنها الحرب المشتعلة.. بلا دخان.. لأنها حرب تدور بالعقوبات والضربات الاقتصادية المتبادلة تحت الحزام.. وليس بالقنابل والصواريخ.. على الأقل حتى الآن.
حائط الدفاع الأمريكي
يتحدثون فى تل أبيب حالياً عن حائط الدفاع الأمريكى الذى يحيط بإسرائيل من كل اتجاه.. للدفاع عن إسرائيل.. فى مواجهة مخاطر صواريخ ومسيرات حزب الله وإيران.
وقد تم تشكيل قيادة مشتركة بين القيادة المركزية الأمريكية فى الشرق الأوسط.. وجنرالات جيش الدفاع الإسرائيلي.. وجنرالات القيادة المركزية.. هم من يتحملون مسئولية الدفاع عن إسرائيل.. كما تقول صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية صراحة وبشكل مكشوف لأول مرة.
ويشارك الأسطول الأمريكى السادس فى شرقى البحر المتوسط مع الأسطول الخامس الأمريكى فى الخليج والبحر الأحمر فى اقامة نوع من الحائط الدفاعى الشامل حول إسرائيل من كل اتجاه.. وذلك بالتعاون مع القواعد والقوات الأمريكية فى إسرائيل ومختلف أنحاء المنطقة.
هناك قيادة عملياتية مشتركة.. وتحصل إسرائيل على المعلومات المخابراتية الأمريكية لحظة بلحظة.. لتقدير الموقف.. والقيام بضربات وقائية استباقية ضد إيران وحزب الله فى أى وقت.. تظهر فيه مخاطر أو احتمالات قيام إيران بتوجيه ضربة انتقامية لإسرائيل.
من فلوريدا
وأصبحت القيادة المركزية الأمريكية هى القناة الخلفية للاتصال بين واشنطن وتل أبيب.. بعيداً عن الخلافات السياسية الساخنة بين نتنياهو والرئيس الأمريكى بايدن.
ومن خلالها تحصل إسرائيل على كل ما تحتاج إليه من طائرات وصواريخ وقنابل ويتم تجاوز كل قرارات الحظر التى يتخذها بايدن!!
ويعترف الإسرائيليون بوجود أسرار أخرى كثيرة بين أمريكا وإسرائيل حالياً.. لا يمكن الكشف عنها لأسباب أمنية.
لكن التنسيق العسكرى أصبح رفيع المستوى بين أمريكا وإسرائيل على المستوى العملياتي.
وقد لا يتصور أحد أن الطائرت المسيرة الأمريكية يتم توجيهها لأهدافها فى الشرق الأوسط من مقر القيادة المركزية فى فلوريدا بالولايات المتحدة!! الأمريكيون الآن هم الذين يتولون القيادة المشتركة لإسرائيل وأمريكا.. فى مواجهة المخاطر والتهديدات.
رسائل لإيران
وقد قامت الولايات المتحدة فعلاً بتوجيه رسائل واضحة لإيران عبر القنوات الدبلوماسية الخلفية بأن إسرائيل لن تقف وحدها فى مواجهة أى ضربة انتقامية إيرانية.
وأكدت واشنطن أن أمريكا سوف تشترك فى الرد مع إسرائيل على أية ضربة انتقامية إيرانية ولن يكون الرد الأمريكى بالطائرات والصواريخ فقط.. ولكن بالعقوبات أيضاً.
قالوا إن أمريكا أصبحت تتحدث بنعومة.. وهى تحمل لإيران العصا الغليظة للقوات والأساطيل الأمريكية فى الشرق الأوسط.
لماذا.. لماذا؟!
وهنا يفرض السؤال نفسه: لماذا لم تقم إيران وحزب الله بالانتقام من إسرائيل حتى الآن؟!
يوجد حالياً نوع من التردد الإيرانى الواضح.. فى توجيه ضربات انتقامية لإسرائيل بعد اغتيال هنية فى طهران.
تل أبيب تتحدث عن تهديدات إسرائيل الرادعة.. وواشنطن تتحدث عن دبلوماسية القنوات الخلفية والتفاوض السرى مع إيران.
من الواضح أن الانتشار الواضح للأساطيل الأمريكية يلعب دوراً واضحاً فى دفع إيران لإعادة حساباتها.
لكن إسرائيل تدرك حالياً بوضوح تام أن إيران وحزب الله يخططان للرد على اغتيال هنية فى طهران وفؤاد شكر فى بيروت.. باغتيال شخصيات وقيادات إسرائيلية.. مما دفع نتنياهو إلى طلب تشديد الحراسة الشخصية على ابنه يائير نتنياهو.
هكذا يبدو أن الحرب الإقليمية الشاملة قد تراجعت احتمالاتها.. وربما تراجعت احتمالات انفجار حرب عالمية ثالثة كانت ومازالت تلوح فى الأفق.. فقد كان العالم على وشك الانفجار.. وليس الشرق الأوسط فقط.
أموال إستراتيجية
ويقول الإسرائيلى ديفيد راينبرج إن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تلعب بأوراق أخرى تحت المنضدة فى الشرق الأوسط وأن ما يتردد عن الردع الإسرائيلى فيه من الأوهام أكثر ما فيه من الحقائق.
فقد قامت أمريكا بالدفع.. ليس بالأموال.. ولكن بالاغراءات الكبرى لإسرائيل وحزب الله، واشنطن لا تريد حرباً إقليمية شاملة تتورط فيها.. وإيران لا تريد وحزب الله لا يريد.. بل إن إسرائيل أيضاً تدرك أن الحرب الشاملة ليست فى صالحها.
هكذا.. يقولون فى تل أبيب أن أمريكا ألقت على المنضدة بما أطلقوا عليه «أموالا استراتيجية».. وليست أموالاً نقدية وكاش.
.. وماذا يعنى ذلك؟!.. التقارير الإسرائيلية تؤكد أن أمريكا تعرض على إيران وحزب الله.. التفاوض حول تفاهم إقليمى بعيد المدي.. يضمن للنظام الإيرانى ولحزب الله اللبنانى مشروعية الوجود والتواجد الإقليمى لكل منهما.
وهذا يفسر بوضوح لماذا وافق المرشد الأعلى خامينى فى إيران على التفاوض أخيراً حول البرنامج النووى الإيراني.. بعد طول رفض وسخرية من كل من ترامب وبايدن.. وتعمدت إيران أن تواصل تخصيب اليورانيوم حتى 84٪.. بما يقترب بشدة من نسبة 90٪ اللازمة لانتاج السلاح النووي.
رياح المخاوف
.. من المؤكد أن إيران حصلت على اعفاءات جديدة من العقوبات الأمريكية.. لكن التنازل الأكبر.. يتعلق بالملف النووى وقد طرحت واشنطن تعريفاً جديداً لمعنى وجود إيران على أبواب صنع السلاح النووي؟!
وهنا تتلاعب كل المخاوف بقلب تل أبيب.. ويقول الإسرائيليون إن التفاهم الأمريكى مع إيران.. لن يزيل الخطر النووى الإيراني.. ولن يزيل مخاطر تهديدات إيران لإسرائيل.
وسوف يؤدى كل ذلك فى النهاية لبقاء إيران.. ليس فقط كمشكلة.. بل إنها سوف تبقى تهديداً بعيد المدى لأمن وبقاء دولة إسرائيل.. وهو ما يعنى تأجيل ملف إيران لإدارة أمريكية قادمة فى المستقبل البعيد.. وليس لإدارة أمريكية قادمة بعد انتخابات الرئاسة الحالية.
وهنا تتضح أبعاد الشلل الاستراتيجى الذى تعانى منه إسرائيل وتحدثت عنه صحيفة لوموند الفرنسية لأن أى تفاهم أمريكى إيراني.. يثير رياح الخوف والقلق فى إسرائيل إلى أبعد مدي.
إسرائيل تنتظر من أمريكا أن تتولى مسئولية تحييد مخاطر البرنامج النووى الإيراني.. وليس تأجيل حسم هذا الملف الاستراتيجى الرهيب.. بمخاطره الكبرى على أمن ووجود دولة إسرائيل.
الهدف الخطأ.. والتوقيت الخطأ
.. وهنا يؤكد الإسرائيليون أن عدم التصعيد مع إيران يصبح هو الهدف الخطأ.. فى التوقيت الخطأ.. بل إن التصعيد العسكرى مع إيران أصبح أمراً حتمياً لابد منه.. نعم التصعيدالعسكرى مع إيران هو البديل الاستراتيجى الأفضل من المنظور الإسرائيلي.. والسلام الآن ليس البديل الواقعى على الاطلاق ومنذ 2020 شعرت إسرائيل دائماً أنها سوف تواجه عشر سنوات من حرب الاستنزاف مع إيران والميلشيات التابعة لها.. وكانت البداية الدموية فى هجوم حماس.. وفى النهاية.. سيكون على إسرائيل أن تدفع الثمن.. لصفقة عدم التصعيد التى تقوم أمريكا حالياً بنسج خيوطها سراً مع إيران ومن خلالها يتم الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على قطاع غزة.
عام الحسم
وتفرض الحقائق الإقليمية.. والعالمية نفسها.. وواقعها على جميع الأطراف فى عواصم العالم الكبري.. ويؤكد خبراء الأمن والاستراتيجية فى واشنطن أن السنوات العشر القادمة.. هى أخطر سنوات هذا العصر على الاطلاق.. وإن كان 2024.. يبدو أنه عام الحسم.
قد تكون هناك لعبة أوراق أمريكية.. تحت المائدة.. أو حتى فوقها، لكن التحولات الإقليمية والعالمية.. والتحديات الكبرى لا يتم التصدى لها بأوراق.. تسبح فى الهواء.. هناك حروب وصراعات تجرى بالحديد والنار فى أوكرانيا.. وحروب إسرائيلية فى الشرق الأوسط.. وهناك أيضاً حروب تجرى بلا دخان بين أمريكا والصين.. وحتى بين أوروبا والصين.. بالحروب التكنولوجية والتجارية لكنها حرب.. حرب لكن بلا دخان.
يأتى ذلك فى وقت تواجه فيه إسرائيل أخطر أزمات الانقسام الداخلي.. الأحزاب السياسية متناحرة.. ونتنياهو يدعى أنه تمكن من اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية.. والمتظاهرون الإسرائيليون يتهمونه باغتيال الرهائن!!
وفى الحسابات الختامية نكتشف أن إسرائيل ترفض أى اتفاق أمريكى إيرانى يستهدف عدم التصعيد بل إن إسرائيل تؤكد أن السلام الآن لم يعد هو البديل الواقعي.. لأن التصعيد العسكرى والحرب مع إيران هو البديل الوحيد.. الذى يضمن لإسرائيل الوجود والبقاء، إسرائيل لا يمكن أن تتعايش مع برنامج إيران النووى وتهديدات صواريخ إيران وحزب الله.
ويقول الإسرائيلى شلومو ساند إن إسرائيل أكذوبة كبرى قامت بالحرب وتعيش على الحرب.. بعد أن تم اختراع الشعب اليهودى من العدم والادعاء الكاذب بحق اليهود التاريخى فى أرض الميعاد فى فلسطين.. فقد كانت هناك ديانة يهودية.. لكن لم يكن هناك شعب يهودي.. ولم يكن هنا شتات ولم يحدث أن قام الغزاة الرومان بطرد اليهود من فلسطين.. هكذا تقف إسرائيل دائماً مع الحرب.. ضد السلام