أعماله الدرامية والكوميدية تعطى طعماً خاصاً سواء فى السينما أو التليفزيون.. ووجدت على مدى تاريخه الفنى قبولاً كبيراً لدى المشاهدين وله مكانة كبيرة لدى عشاق الدراما وصناع القوى الناعمة الفنية فى مصر.. وفى بداية الثمانينيات كان الحديث فى الشارع المصرى عن مسلسل «محاكمة الدكتورة مني» من تأليف الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد.. وكان الحديث ساعتها عن كاتب السيناريو الشاب المبدع عاطف بشاى حنا المولود فى عام 1951 والذى تخرج فى كلية الفنون التطبيقية قسم التصوير 1973 بتقدير جيد جداً والتحق بالمعهد العالى للسينما وبرع فى قسم الإخراج وحاز على مرتبة الشرف بنجاحه وهو الأول على دفعته بتقدير ممتاز.
نجح عاطف المتعدد المواهب منذ صغره كمحب للفنون بصفة عامة والفن التشكيلى بصفة خاصة.. وبرز فى حياته الفنية فى مراحله الأولى بإقامة معارض للفنون التشكيلية، بينما كان تلميذاً فى الثانوية بدأ أول معارضه التشكيلية كهواية دعمها بالدراسة فى الفنون التطبيقية.. وفى مسيرته بمعهد السينما لفت الانتباه بمشروعه للتخرج فى كتابة السيناريو عن قصة للأديب الكبير يوسف إدريس وحصل فى نفس العمل على جائزة من مهرجان الإسماعيلية للأفلام الروائية كانت هذه الجائزة عام 1977 أول جائزة وضعته على السلم المميز للعمل الفني.
بشاى كان قد بدأ حياته الفنية كناقد تشكيلى وسينمائى فى عدد من الصحف المصرية فى السبعينيات منها المساء والطليعة والكاتب ومجلة الفنون.. وبعدها توجه للاخراج وكتابة السيناريو وكان العمل الأول الذى قدمه ككاتب سيناريو الفيلم التليفزيونى «تحقيق» عن قصة لأديب نوبل نجيب محفوظ من اخراج ناجى أنجلو.
وتوالت الأعمال فى مشواره الفنى بمسلسل «الوليمة» قصة الأديب عبدالفتاح رزق واخراج شفيق شامية وهو العمل الذى حصل به على جائزة التليفزيون فى السيناريو وفى منحى جديد بدأ بشاى فى خوض تجربة الكتابة بقصة «المصيدة» واخرجها للتليفزيون رفعت قلدس واستمر فى أعماله الدرامية فى السهرات التليفزيونية ولعل المشاهد المصرى والعربى يتذكر رائعته فى الثمانينيات «أمهات لم يلدن أبداً» والتى اخرجتها انعام محمد على وقد حصل على جائزة السيناريو لها وكذلك مسلسل «المغناطيس» اخراج إبراهيم الشقنقيري.
ومن أعماله المميزة فى تاريخه الفنى الثرى فيلم «الملائكة لا تسكن الأرض».. كانت تتميز أعماله بالحرفية المهنية فى الكتابة والسيناريو والاخراج وكان له بصمة كبيرة وابداع راق شاهدناه فى أفلام عدة منها «فوزية البرجوازية» و«محاكمة على بابا» و«أحوال شخصية» ومسلسل «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين والذى أبدع فى هذا العمل وكان محل اثارة فى الشارع وقتها عما تناولته «لا».
وفى عمله الفنى المبدع «دموع صاحبة الجلالة» استطاع أن يشد الشارع المصرى من المشاهدين فهو من الأعمال التى تركت بصمة كبيرة وأخذت مساحة من النقد الأدبى والفني.. ولم لا وهو الفنان المبدع الذى كانت تعرض له أعمال متعددة فى وقت واحد متزامن مع عرض «دموع صاحبة الجلالة» وحالفته من حيث عرض فيلم «ونسيت انى امرأة» والفيلم التليفزيونى «إلى أين تأخذنى هذه الطفلة» القاسم المشترك فى الأعمال الثلاثة كان عاطف بشاي.. لدرجة أن المشاهد كان يراه فى أفيشات الشوارع وإعلانات التليفزيون وأحاديثه فى الصحافة تملأ الساحة الفنية بالاثارة والابداع.. ونجح فى التعاون مع الكاتب الساخر أحمد رجب.. – رحمه الله – فى ستة أعمال تحولت إلى مسلسلات وأفلام إضافة إلى «فوزية البرجوازية».. نجده يبدع فى «الوزير جاي» و«محاكمة على بابا» والمجنونة.. وامتد تعاونه مع الكاتب والأديب إحسان عبدالقدوس فى قصته الرائعة «نسيت انى امرأة» و»قبل الوصول إلى سن الانتحار».. وتميز بشاى بالاتجاه لأعمال الكتاب والصحفيين بدرجة أولي.. وكان رأى الراحل عاطف أنه يلجأ للصحفيين كتاب القصص والروايات لأنهم الأكثر التصاقاً بمناقشة مشاكل المجتمع ومعاصرتها.. ويقتربون من الواقع ويعايشونه.. وقال فى أحد أحاديثه الصحفية «الجأ للكتاب الصحفيين لأن أعمالهم تتيح لى الفرصة للابداع».. واستفيد من خبرة الصحفى بالواقع ومعايشته.. وبالطبع كلها أعمال مهمة كان لها صدى كبير فى الشارع السياسى والاجتماعى والاقتصادى بمصر.
وبقراءة سريعة لأعماله نجد أنه فى فترة الانفتاح تناول قضايا مهمة من الشارع المصرى واقترب منها وفى أعماله ناقش قضايا مهمة ومنها جشع التجار ومشاكل الإسكان وقضايا الأسرة المصرية والعربية ولعل من أكثر معاركه التى أثارها الرأى العام هى مسلسل «السندريلا» سعاد حسنى الذى تناول سيرة السندريلا وكان هو نفسه كاتب السيناريو والحوار.. والذى أطلق على العمل «خبص خدامين» لعدم رضاه على تناول السندريلا بهذه الطريقة.
وعاطف بشاى أطلق عليه «تاجر السعادة» لأن المتابع لأعماله يتوقف عند قدرته الابداعية الفائقة وتميزه بجرأة واضحة فى التناول ويلمس حاجة الجمهور ذلك فى اعادة قراءة عمارة يعقوبيان وما فعله فى «تاجر السعادة» الذى تناول واحدة من أهم القضايا الحساسة وهو الذى استوحاه من قصة لمحسن زايد وقد تحدث بجرأة عن المتاجرين بالدين وبهذا العمل دخل «عش الدبابير» لكنه ببراعة خرج منه بعرض قضية ساخنة بقالب فنى مقبول ضد الشعوذة.. بشاى كان حلمه أن يصور عملاً يبرز به دور الشباب فى بناء المجتمع وما يعيشه بعد من ازدهار فكرى وتنمية بشرية.. ترك ارثاً ثقافياً متميزاً يعكس بصمته كفنان تشكيلى وكاتب سيناريو ومخرج وكانت قصة تلاميذه فى العالم العربى يعترفون ببصمته الكبيرة على مرحلة مهمة من تاريخ الفن فى مصر امتدت على مدى العقود الخمسة الأخيرة منذ محاولته الأولى البارعة بالابداع.
وقد غيبه الموت بعد الوعكة الصحية الأخيرة التى خضع فيها لجراحة فى المخ قبل 40 يوماً.. وكانت مذكراته التى أعدها على وشك الاكتمال والتى أعلن عنها فى آخر ظهور له قبل نحو 45 يوماً فى ختام الدورة 50 لجمعية الفيلم وكان محل تقدير تلاميذه ورفقاء دربه مصريين وعرباً.. ودعته مصر أمس الأول فى كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة.. وسط حضور كبير من تلاميذه ومحبيه.. وكان لسان حالهم نودعه جسداً وأعماله خالدة دخلت كل بيت فى مصر وعالمنا العربي.. وداعاً عاطف بشاي.