مضى الشيخ الكبير الذى جاوز السبعين يشق طريقه بين المارة فى نشاط واضح بشارع عماد الدين بمنطقة وسط القاهرة.
كان يمشى فى رشاقة العصفور وأناقة الطاووس يرتدى ملابس صيفية تتناغم ألوانها كأنها ألوان الورد فى فصل الربيع وعلى فمه أغنية يشدو بها فى سعادة بالغة لكن بصوت هادئ منخفض يصعب تمييز حروفه وكلماته فى ضوضاء النهار.
قلت لنفسى لو تمكنت من معرفة هذا السر الخطير لأحرزت نصرا صحفيا يشار إليه بالبنان ومضيت خلف الرجل فى مغامرة صحفية كبيرة.
مشى فى أعقابه، وحمدت الله أنه يمشى فى نفس طريقى كنت أسرع الخطى إذا أسرع وأمشى الهوينى إذا أبطأ أو توقف أمام أحد المحلات.
توقف أمام محل لبيع فساتين الزفاف قلت: لعله يريد شراء فستان الخطبة أو الزفاف لحفيدته الصغري.
توقف مرة أخرى أمام محل لبيع ملابس الأطفال قلت: لعله جاء يشترى قميصا أو حذاء لابن حفيدته الكبري.
أخذت أضرب أخماسا فى أسداس، وأحسب المسألة من كل الزوايا، وسائر الاتجاهات فى محاولة لمعرفة الأغنية التى يشدو بها عصفور عماد الدين.
مضيت خلفه وأنا أرسم القصة الإخبارية فى رأسى وأختار لها العنوان المناسب واستعرض كل دروس الصحافة التى تعلمتها فى الجامعة وتجاربها التى مرت بى ومررت بها طوال السنوات السابقة.
توقعت أن تكون أغنية دينية؟ وسألت نفسي: ولماذا لا تكون أغنية وطنية وضربت أمثلة مختلفة من كلا النوعين تبعا لحركة شفتى العصفور.
وبحركة التفاف سريعة عند إشارة المرور نجحت فى إحراز النصر الكبير وعرفت الأغنية وإن خابت كل ظنونى وتوقعاتي.
كانت أغنية شامية يقول مطلعها:
«بدنا نتجوز ع العيد
بدنا نعمر بيت جديد»