عانت الدولة على مدار العقود الماضية من آفات خطيرة لا أبالغ إذا قلت انها تهديد حقيقى للدولة والمجتمع.. وهنا أتحدث عن السرقة والفساد والفهلوة.. خاصة فى الحصول غير المستحق على الدعم أو اعتبار ان نهب أراضى وأموال الدولة والخدمات التى تقدمها بدون مقابل حلال.. أو أنها حق وتصنيفها بأن مال الحكومة ليس حراماً.. والحقيقة انه ليس مال الحكومة.. ولكنه مال وثروة الوطن التى لابد ان توزع بشكل عادل.. ويتم تحصيلها وتطويرها وتنميتها من أجل تقدم البلاد وتقديمها للعباد من المستحقين من الفئات محدودة الدخل أو الأكثر احتياجاً.
بأساليب مليئة بالتحايل والفهلوة والسرقة والفساد.. عانت على مدار عقود منظومة الدعم العينى من فساد كارثى سواء فى داخل دهاليز الحكومة وما يمارسه الموظفون داخل مكاتب التموين أو الجهات القائمة على توزيع الدعم وايصاله إلى مستحقيه.. أو المواطن نفسه الذى لا يستحق يجتهد ويقاتل من أجل اقتناص حق لا يستحقه بل وجدنا أثرياء ومن لديهم ثروات وسيارات ووحدات سكنية وحسابات بنكية وأراض شاسعة لا يستحقون الحصول على الدعم العينى من السلع الأساسية ورغيف الخبز المدعم حتى كادت تنهار وأصبح جهد وموارد الدولة يهدر على دعم لا يصل إلى مستحقيه.
الدولة على مدار العشر سنوات الماضية انتبهت لهذه الآفات وقررت اجتثاث جذورها من خلال تنقية جداول الدعم وبناء قاعدة بيانات دقيقة إلا أنها مازالت تعانى من «ألاعيب شيحة».. ونظم الفهلوة والتحايل المتطورة.. فمازالت قواعد البيانات مليئة بغير المستحقين.. حتى معاش تكافل وكرامة رغم جهود وبناء قواعد البيانات مازالت هناك فئات لا تستحق وتحصل على المعاش الذى من المفترض أن يذهب إلى مستحقيه.
الدولة طبقاً لكلام الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء قد تتجه إلى الدعم النقدى بديلاً للعينى وهذا يراه الكثيرون أمراً جيداً لكن لابد ان تكون لنا وقفة مع مخاوف عدم دقة البيانات وقواعدها وان يذهب الدعم النقدى أيضاً إلى غير مستحقيه.. وأيضاً ان يقع المستحق للدعم من الفئات الأكثر احتياجاً ضحية لسوق منفلتة تبدو فيها عدم قدرة على ضبطها.. وهل هذا الدعم النقدى سيكون بالقدر الكافى الذى يتسق مع طبيعة هذه الأسعار فى ظل التداعيات للصراعات والأزمات الدولية والإقليمية.. وما موقف الموظفين من الدعم النقدي.. هل سيحصلون على دعم مواز لمرتباتهم وما موقف محدودى الدخل.. لابد ان تبذل الحكومة جهوداً كبيرة وتنتظر توصيات ومخرجات الحوار الوطنى للتنفيذ وان نتجنب ايقاع الظلم غير المقصود ببعض الفئات التى هى فى أشد الحاجة إلى الدعم وهل من سيحصل على الدعم النقدى من الذين تنطبق عليهم شروط تكافل وكرامة سيجمع بين الدعم والمعاش وهل يراعى حجم التغيير فى الأسعار عند وضع حد لسقف الدعم النقدى وهل يشهد زيادة سنوية مثل الأجور والمرتبات والمعاشات؟.. وهل يتضمن هذا الدعم النقدى (رغيف الخبز) فى ظل ارتفاع تكلفة إنتاج رغيف العيش لأكثر من جنيه؟.. هناك اشكاليات كثيرة لكن الأمر يستحق لايقاف الفساد والسرقة والهدر والتحايل والفهلوة فى الحصول على الدعم العينى وما شابه من أخطاء جسيمة أضاعت على الدولة مئات المليارات وعلى المواطن المستحق فرصة الحصول على الدعم العيني.. فمثلاً قبل 2011 كانت «فراخ» الجمعية تذهب إلى محلات الكباب تدخل من باب وتخرج من أخر بسبب موظف فاسد.. وأيضاً أجولة الدقيق المدعوم تباع فى السوق السوداء.. لأن المخابز لا تقوم بإنتاج نصف الكمية عن قصد وتقوم ببيعه.
جريمة أخرى من الماضى لكنها مازالت مستمرة وهى سرقة التيار الكهربائي.. وهنا أؤكد ان الوقائع والجرائم والسرقات تفوق توقعات وحسابات الحكومة.. وأؤكد ان هناك عمارات كاملة تقوم بسرقة التيار أو قطع الأسلاك خلف العداد.. وان هناك «فني» وظيفته يذهب إلى المنازل لتنفيذ هذه الجريمة وكل ذلك يعبر عن نقص فى الأخلاق وغياب للدين والضمير وإذا كانت الحكومة تقول إنها تخسر 35 مليار جنيه بسبب جرائم سرقة الكهرباء فإن الرقم قابل للتضاعف وللأسف الأسباب والمبررات لحرامية الكهرباء «مضحكة» فهناك من يتزرعون بأن (فلوس الحكومة حلال) وأخرون يقولون الحكومة ما هى بتأخذ فلوسنا.. لذلك فإن الأمر يحتاج إجراءات استثنائية أو على الاعتماد بشكل أساسى على الموظفين لأنهم جزء من المشكلة ولأنه وبدون تفاصيل قد يعرفها الكثيرون.. الحكومة أيضاً وضعت يدها على ملف غاية فى الأهمية والانتشار وهى سيارات المعاقين والتى شهدت تحايلاً خلال السنوات الماضية ويستفيد منها الأصحاء من غير المستحقين وبأرقام تصل إلى 25٪ من السعر الحقيقى للسيارة وهو ما يضيع مليارات الجنيهات على الدولة.. وحسناً فعلت الحكومة بحساب عسير لهؤلاء من الذين حصلوا على سيارات ليس من حقهم.. والبيانات والأسماء موجودة لدى الحكومة ولا أدرى ماذا ستفعل الحكومة هل ستقوم بتحصيل فارق الأسعار وهل ستكون التسوية بأسعار الوقت الحالى أم بأسعار كانت موجودة وقت الشراء أم أن الحكومة سوف تتخذ إجراءات عقابية مثل الإحالة للنيابة.
أيضاً الدولة حققت إنجازاً غير مسبوق وهو القضاء على العشوائيات وأعدت مناطق حضارية ومنحت كل أسرة فى هذه المناطق العشوائية القديمة وحدة سكنية مجانية فى المناطق الجديدة لكن آفة التحايل والفهلوة مازالت تجرى فى دماء البعض.. تلاعب فى الوحدات السكنية وامتناع عن سداد المستحقات التى تقتصر على مصروفات الصيانة أو تحويل نشاط الوحدة السكنية أو بيعها أو تأجيرها للغير.. لذلك حسنا فعلت الحكومة باظهار العين الحمراء بدلاً من التلاعب الأنانى والانتهازى فى جهود وموارد الدولة التى تؤتمن عليها الحكومة.
الحكومة أيضاً عليها ان تواصل هذه السياسة وتجرى وراء حقوقها لدعم باقى المواطنين وهى ترى وتشاهد على حجم المقاهى المنتشرة فى ربوع البلاد دون تراخيص.. ثم التوك توك و«السناتر» واستغلال أراضى الدولة وشوارعها وأرصفتها التى هى من حق المواطن.. بل وقيام البعض بتأجيرها للباعة من الباطن سواء أصحاب المحلات أو البلطجية.
لذلك فإن سياسة العين الحمراء للحكومة جاءت متأخرة لكنها أفضل من ألا تأتى وعقبال ضبط الأسواق والإيجارات القديمة التى فيها انتهاك صارخ للعدالة لذلك الحزم والحسم والإصلاح مطلوب جداً.