لأن الضحك صار عزيزا والبهجة اصبحت نادرة، فليس أمامنا سوى البحث عن وسائل صناعية أو اصطناعية أو مصطنعة «تدغدغنا»، وتطلق ضحكاتنا، ليس أمامنا سوى البحث عن بهجة افتراضية أو فرحة مفتعلة مادمنا نبحث عن وسيلة تقينا شر وجع القلوب ومتاعب شرايينها ومشاكل أزماتها. الأطباء ينصحون بالضحك، العلماء يضعون القهقهة على رأس وصفة الوقاية من أمراض العصر وفى مقدمتها أمراض القلب، ولأن الضحك الطبيعى غير المختلط بالمواد الحافظة ومكسبات الطعم واللون والنكهة، أصبح عزيز المنال نادرا، فقد اتجه العلماء الى البحث عن المضحكات المحفوظة أو مثيرات الضحك المصنوعة، وليس أفضل لهذا الغرض من الأفلام الكوميدية، فأخضعوها للتجارب المعملية والبحوث المختبرية ليكشفوا لنا تأثيرها على شرايين القلب. وجاءت النتائج شديدة الغرابة، والأهمية أيضا: إن كنت حريصا على قلبك وأوعيتك الدموية حاول أن تشاهد فيلما كوميديا جدا، فإن لم تجد فليس أقل من شخص خفيف الظل يتحفك من وقت إلى آخر بآخر نكتة.
فقد أكدت دراسة أجريت مؤخرا فى الولايات المتحدة، أن الضحك حتى ولو كان بسبب مشاهدة فيلم كوميدى يدعم الطريقة التى تؤدى بها الأوعية الدموية وظائفها. الباحثون من كلية الطب بجامعة ماريلاند فى بالتيمور قارنوا – قبل الوصول إلى هذه النتيجة – بين آثار مشاهدة أفلام الكوميديا وأفلام الإثارة، وانتهوا إلى أن التوتر الناتج عن مشاهدة فيلم إثارة أو رعب يؤدى إلى إبطاء سرعة تدفق الدم فى الأوعية الدموية بنسبة 35 بالمائة، وأن الضحك زاد تدفق الدم بنسبة 22 بالمائة.
الفريق البحثى الأمريكى أجرى دراسته على 20 متطوعا، من الأصحاء غير المدخنين، يبلغ متوسط أعمارهم 33 عاما.. وشاهد نصف المتطوعين مشاهد من فيلم يسبب ضغطا ذهنيا وتوترا، مثل المشاهد الأولى من فيلم «إنقاذ الجندى رايان»، وشاهد النصف الآخر فيلما يطلق الضحك ولا يجهد الدماغ، مثل فيلم «الدكتور بين».. وبعد حوالى يومين تم عكس الأدوار.. فشاهد من ضحكوا فى المرحلة الأولى من التجربة فيلم «نكد» كأفلامنا العربية، وشاهد الآخرون فيلما ضاحكا.
وقبل مشاهدة كل فيلم، صام المتطوعون عن الطعام والشراب طوال الليل وأجريت لهم اختبارات لمعرفة مدى استجابة الأوعية الدموية فى شريان الذراع للزيادة المفاجئة فى سرعة تدفق الدم.. وشاهد المتطوعون جزءا من الفيلم مدته 15 دقيقة وهم مستلقون فى غرفة يتم التحكم فى درجة حرارتها. وبعد انتهاء فترة المشاهدة خضعوا لاختبارات على أوعيتهم الدموية مرة أخري.. فماذا كانت النتائج؟
لم تلاحظ فروق فى اتساع أو تمدد الأوعية الدموية بين مجموعتى المتطوعين قبل مشاهدتهم للأفلام.. لكن تدفق الدم فى شريان الذراع قل لدى 14 من بين 20 متطوعا عقب مشاهدتهم لقطات من فيلم اثارة ونكد ورعب.. وعلى العكس من ذلك، فقد زاد انبساط الأوعية الدموية، ومن ثم تدفق الدم لدى 19 من بين 20 متطوعا عقب مشاهدتهم لقطات من فيلم كوميدي.
الدراسات «المضحكة» اكدت عشرات الفوائد الصحية للضحك.. فهو يمنع ظهور علامات الشيخوخة المبكرة والتجاعيد ويقلل مستويات السكر فى الدم عند مرضى السكر من النوع الثاني.. ويخفض ضغط الدم، ويقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.. ويرخى العضلات ويقلل من التوتر الجسدي.. ويقى من أعراض الحساسية مثل الربو.. ويحسن معدل الهضم.. ويقوى الذاكرة.. ويقوى القلب والأوعية الدموية ويزيد من تدفق الدم.. ويقوى المناعة من خلال تقليل هرمونات الإجهاد مثل هرمون الكورتيزول، وزيادة الأجسام المضادة والخلايا المناعية.. وأخيرا يقلل من الإحساس بالألم بسبب إفراز هرمون الإندورفين عند الضحك، وهو هرمون يفرزه المخ لتقليل الألم.