أمس الأول كنت أقوم بمراجعة الملفات التى سأتناولها فى الحلقة وكان الملف الأول هو زيارة رئيس الوزراء الصومالى إلى مصر والتى وصفها يأنها الشقيقة الكبرى التى تلبى نداء الأشقاء وقت المحن والأزمات وهذا – كما يقول المسؤول الصومالى – ليس جديدا على مصر الكبيرة ، أما الملف الثانى فكان حصول مصر على المركز الأول على مستوى القارة الأفريقية فى القوة الناعمة والمركز الثانى عشر على مستوى العالم فى تصنيف آخر ، أما الملف الثالث فكان عن رؤية وزارة الثقافة التى عرضها الوزير على رئيس الوزراء والتى صدر عنها بيان من مجلس الوزراء ورد به عبارة « الاستثمار الثقافى « وكنت أتمنى أن أطلع على تفاصيل هذه الرؤية وأن أقف على المعنى الحقيقى لمفهوم « الاستثمار الثقافى « لكن الوقت لم يسعفنى لفعل ما أردت ، أما الملف الآخر فكان بخصوص سرقات التيار الكهربائى والتى وصل عدد المتهمين فيها أكثر من مليون مواطن سارق للتيار الكهربائى بجملة تكلفة تتخطى 2 مليار جنيه شهريا تتحملها وزارة الكهرباء وبالتأكيد تقوم بإضافتها على فاتورة الدعم مما يزيد من التكلفة النهائية لكل كيلوا وات ساعة ، للحقيقة وانا أقرأ مفردات وتفاصيل الخبر وقفت على رقم «مليون حرامى كهرباء « وتأملت قليلا فى هذا المفهوم ، وتساءلت مع زملائى فى فريق الإعداد عن نظرة المجتمع لحرامية الكهرباء، وهل ينالهم نظرات لوم وتقريع واحتقار كما ينظر المجتمع للنشال او حرامى الغسيل كما فى أفلامنا القديمة ، الغريب أن حرامى الكهرباء نفسه والمتهرب من الضرائب او الجمارك أو من رادار المرور وكذلك دافع الرشوة والغشاش فى الامتحان كل هؤلاء لا يخفون أفعالهم ولا يخجلون منها بل نجد منهم من يتباهى بأفعاله هذه رغم حقارتها، فإذا كان هذا غريبا فإن الأكثر غرابة هو نظرة المجتمع لهؤلاء !! فالمجتمع لا يستنكر ولا يوبخ ولا ينقص من قدر هؤلاء ولا ينظر اليهم على أنهم سارقون ! والسؤال لماذا يقف المجتمع عاجزا عن تجاوز نزعاته السلبية بتعاطفه المزيف مع بعض الخارجين على القانون أمثال هؤلاء ؟ لماذا يعتبر المجتمع أن مراقب الامتحانات الذى يساهم فى حالة غش جماعى رجل طيب ويدعون له فى المساجد بصلاح الحال ، فى نفس الوقت الذى يصبون لعناتهم على المراقب الذى يرفض ممارسة الغش لإعطاء كل ذى حق حقه؟ لماذا يتفاخر البعض بممارساتهم الخطأ فلا يخجل من نفسه وهو يحكى ولا يمتعض من حكيه من يسمع ؟، وهنا نصل إلى بيت القصيد ،أليست هذه سلوكيات وثقافات تحتاج إلى تغيير وتعديل؟ لكن مرة أخرى اتساءل وأصرخ فى البرية من يفعل ذلك؟ فالربط بين قوة مصر الناعمة ودور مصر فى الصومال ورؤية وزارة الثقافة وسرقة الكهرباء والتعدى على الأراضى الزراعية ربط – فى تقديرى غير مخل – بل ولا أبالغ إذا قلت إنه ربط ضرورى ، فقوة مصر الناعمة تخرج من بين ثنايا رؤاها الثقافية الشاملة والتى تترجمها سلوكيات المجتمعات الجمعية تجاه قضية ما ، ما أردت قوله باختصار شديد اننا بحاجة ماسة إلى الخروج من نفق «منظومة التناقضات العجيبة التى نعيش فيها « بين ما نردده وما نفعله ، بين ما نؤمن به وما تصنعه أيادينا ، بين التدين الشكلى والجوهر السلوكى ، بيد أننا نعيش حالة « تلبك ثقافى «نتيجة الإفراط فى تناول « المعجنات المعرفية « فما هى وصفات الطبيب ؟ عفوا يا عزيزى من هو الطبيب أولا ؟؟.