ما بين واشنطن وباريس تتساقط أقنعة الحرية والديمقراطية المزعومة فى بلاد الغزب فكل يوم تظهر فضائح جديدة تصرب بقوة فى «بيت العنكبوت» بأسلحة الواقع والممارسات والمواقف سواء فى الداخل والخارج، وما لدى الغرب من عنصرية ليتضح للجميع دون شك أن «فتارين» الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان البراقة، هى مجرد أدوات لدى الغرب، لخداع وتضليل الشعوب، وتحريضها على دولها، أو ابتزاز، يكشف بوضوح تفاصيل وحقائق من عقود الماضي، بل وكوارث تسببت فى إسقاط وخراب ودمار دول.
منذ أيام خرج رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، ليطالب الشرطة باتخاذ مواقف حاسمة تجاه الاحتجاجات والمظاهرات فى بلاده واعتبرها أنها تستحق المواجهة وبتنفيذ القانون والقبض على دعاة العنف والتخريب وتهديد أمن بلاده هذا جيد، لكن بريطانيا هل تنظر إلى الاحتجاجات والمظاهرات التى تجاوزت حدود القانون فى دول أخرى بنفس نظرة الداخل.
الأسبوع الماضي، جرى توقيف واعتقال الملياردير بافيل دوروف المؤسس والرئيس التنفيذى لتطبيق تليجرام، وبافيل روسى الأصل يحمل الجنسية الفرنسية، الاعتقال جرى فى مطار لوبورجيه خارج باريس باتهامات أن تطبيق تليجرام يفتقد لعددم وجود مشرفين على المحتوى والمضمون فيما يبث على التطبيق وكذلك فإن هذا الوضع أو الأمر من شأنه أن يسمح للنشاط الإجرامى بالاستمرار دون رادع على تطبيق المراسلة.. تليجرام تطبيق ارتفعت شعبيته.. لذلك تخشاه دول وعواصم أوروبية بسبب مخاوف أمنية ورعب من اختراق البيانات وأكثر الدول استخداماً لهذا التطبيق الذى تستخدمه روسيا وأوكرانيا وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابقة، ويحظى بنفس الانتشار والاهتمام مثل «فيس بوك» وانستجرام وتيك توك وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
الحقيقة أن دوافع السلطات الفرنسية فى اعتقال بافيل رغم نفى الرئيس إيمانويل ماكرون للواقعة تتلخص فى كون أن مؤسس والرئيس التنفيذى لتطبيق تليجرام روسى الأصل فى عنصرية شديدة الوضوح كما أن هذا الأمر غير وارد الحدوث مع ايلون ماسك صاحب تطبيق «اكس» أو مؤسس فيس بوك مارك زوكربيرج وهو ما يعنى ازدواجية المعايير، لكن الأبرز أنه يحدث فى فرنسا التى يقولون عنها إنها واحة الحرية والديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، لذلك فمن المؤكد أن هذه الأقنعة كانت ومازالت مجرد «فاترينات» تحوى بضاعة فاسدة ورديئة ولا تعبر عن حقيقة ما يجري، وتكشف الوجه القبيح للحرية فى الغرب فهى حرية موظفة وموجهة لاصطياد وتصفية حسابات وخداع الشعوب وابتزاز الدول، ولعل ما حدث من أوهام، نفذت إلى عقول ووعى شعوب دول المنطقة وصلت إلى ذروتها فى الربيع العربى المشئوم كان نتاج هذا الخداع.
الواقعة الثانية التى تكشف سقوط أقنعة الحرية والديمقراطية المزعومة، وأنها مجرد تجارة، تجلت فى اعتراف الرئيس التنفيذى لشركة «ميتا» مارك زوكربيرج أن إدارة الرئيس جو بايدن مارست ضغطاً على منصة التواصل الاجتماعى فيس بوك حتى تراقب المحتوى الخاص بفيروس «كورونا» والتقليل من قصة الفساد التى تورط فيها نجل الرئيس الأمريكى بايدن.
بغض النظر عن باقى التفاصيل الأخرى لمارك زوكربيرج إلا أن الأمر يكشف أن حرية الرأى والتعبير فى بلد الديمقراطية لم يكن بالصورة الوردية التى ارتبطت بالولايات المتحدة الأمريكية، فهناك تدخلات وضغوط ومساومات من أجل الحذف، أو الحجب، أو عدم النشر، وكل ذلك يشير إلى أن ما يروج عن الحرية المطلقة، والحرية بلا حدود وأن الدول أو الأنظمة لا تتدخل اتضح أنه مجرد أكاذيب.
الحقيقة أن اعتقاد شعوب المنطقة العربية بأن أمريكا والغرب هى قلاع الحرية والديمقراطية وحرية التعبير يتهاوى بعد سلسلة الفضائح والحقائق عما يدور من عنصرية وتدخلات وقمع وحجب وعنف تجاه حرية الرأى والتعبير وبات سلاح الخداع لم يعد فعالاً على الإطلاق بعد حالة الانكشاف والسقوط لحالة الحرية المزعومة فما حدث فى داخل دول الغرب من وقائع تناهض ولا تتسق مع حرية الرأى والتعبير يكشف هذا بوضوح موقف وسياسات واشنطن والعواصم الأوروبية بشأن حرية الرأى والتعبير فيما يتعلق بالموقف ضد العدوان الإسرائيلى على غزة وقمع طلاب الجامعات وسحق المظاهرات وحذف المحتوى المؤيد لفلسطين وأيضاً حالة التأييد والدعم المطلق لحرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى غزة وقتل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء وتدمير الأخضر واليابس واستهداف المستشفيات ومحطات المياه وسياسات الحصار والتجويع كما أن الموقف المخجل للغرب من اغتيال الصحفيين الذين وصل عدد الشهداء منهم إلى قرابة الـ170 صحفيا يعكس مدى التناقض والازدواجية ما بين رفع شعارات حرية الرأى والتعبير وبين اغتيال الحقيقة واستهداف الصحفيين، لكن فى النهاية نستطيع التأكيد أن ما يزعمه ويعلنه الغرب ويسوقه للشعوب هو مجرد أكاذيب وخداع، وما يساوم به الدول هو أدوات للابتزاز وخلق فزاعات من أجل تنفيذ مطالب بعينها، بل استطيع أن أقول ان حالة حرية الرأى والتعبير فى بعض دول المنطقة أفضل بكثير من حالتها فى دول الغرب خاصة وأنه فى دول المنطقة تتسق مع مصالحها العليا وأمنها القومي.
دول كثيرة دفعت ثمناً باهظاً بسبب متشاجرات وفزاعات الغرب بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير سواء فى شكل ضغوط أو تحريض الشعوب على هدم أوطانها أو تزييف وعى هذه الشعوب فالحرية لدى الغرب هى ما لا يخالف أمنه واستقراره وهذا صحيح لكنه فى ذات الوقت يستنكر هذا المبدأ، على الدول الأخري، بل ويحرض عليها المنظمات الدولية، ويسرف فى التقارير المضللة والمشبوهة والمسيسة، من هنا أرى ضرورة أن يولى الاهتمام فى دول المنطقة العربية فى كشف هذه التناقضات بين ما يرفعه الغرب من شعارات براقة، وبين ممارسات قمع وتنكيل وحجب وفرض نمط معين من الحرية على هوى الغرب، أيضاً العنصرية والتمييز فى تطبيق معايير حرية الرأى والتعبير، لذلك فإن الأحداث التى تخالف حرية الرأى والتعبير والديمقراطية فى الغرب من الضرورى إبرازها وإلقاء الضوء عليها حتى لا تنخدع الشعوب بالحرية المزعومة فى الغرب وأيضاً الإكثارمن تناول المواقف الأمريكية والغربية والإسرائيلية من انتهاكات حرية الرأى والتعبير والتشدق بحقوق الإنسان والديمقراطية فإسرائيل تمارس أحقر أنواع القمع والقتل والاغتيال، والحصار والتجويع والإبادة فى حين أن الغرب يتستر ويدعم هذه الممارسات دون خجل، فما يحدث فى قطاع غزة هو أمر لا يليق أن يحدث حتى فى الغابة ورغم ذلك فإن الغرب المتواطئ والمتناقض والمريض بالعنصرية وازدواجية المعايير لم يحرك ساكناً لوقف المذابح والمجازر بل يدعمها ويقوم بحذف المضامين والمحتوى التى تهاجم وتنتقد السلوك الإجرامى الإسرائيلى ليس هذا فحسب بل هو ممول لحرب الإبادة بالمال والسلاح الفتاك وتوفير الحماية العسكرية والسياسية والدبلوماسية للشيطان الصهيوني.
تحيا مصر