عُرفت مصر منذ القِدم بأنها بلد زراعي.. للدرجة التى وصفت فى وقت ما بأنها «سلة غذاء العالم» فى عهد يوسف الصديق – عليه السلام – فى زمن السبع السمان.. حتى كانت مصر ملاذاً لكثير من الدول.. وظلت أم الدنيا على نفس المنوال بلد السخاء والرخاء وإن مرت عليها بعض الفترات العصيبة ولكن سرعان ما تعود قوية فتية بفضل سواعد أبنائها وعزائم رجالها.. قوة إرادة أولى الأمر فيها.. ولكن وكما يقال – دوام الحال من المحال – تعرضت مصر لحالة من تجريف وتبوير الرقعة الزراعية عن طريق البناء على أجود أراضينا الزراعية وهو ما خلَّف بدوره تناقصًا حادًا فى الأراضى الزراعية وبالتالى انخفاضًا فى الناتج المحلى من المحاصيل الزراعية وخاصة الاستراتيجية منها مثل محصول القمح والأذرة والقطن وغيرها من الحاصلات الزراعية وهو ما أدى بنا إلى اللجوء إلى الحل البديل «استيراد الحاجيات» وخاصة المحاصيل الاستراتيجية والتى لا غنى عنها فكان اللجوء إلى دول كأوكرانيا وفرنسا والولايات المتحدة وغيرها لاستيراد القمح لسد الفجوة الغذائية وإلى الهند لاستيراد الأرز وإلى غير ذلك من الدول لاستيراد النواقص مثل زيت الطعام والسكر.. وبالتالى كان من نتيجة ذلك تضخم الفاتورة الاستيرادية والضغط على الخزانة العامة للدولة من أجل توفير العملة الصعبة لأجل استيراد هذه المواد الغذائية..هذا السيناريو «البغيض» ما كان له أن يستمر طالما وجد على ساحة «أم الدنيا» رجال شرفاء نذروا أنفسهم لصونها والدفاع عن مقدراتها ومن هنا كان الملاحظ خلال العقد الأخير الذى نعيشه ومازلنا أن هناك تطورًا ملحوظًا فى جانب الزراعة المصرية حتى تستعيد مصر عرشها الذى فقدته فى غفلة من الزمن.. لذا شرعت الدولة فى إقامة عدة مشاريع قومية خاصة بالشأن الزراعى تمثلت فى مشاريع الاستصلاح بجنوب الوادى «توشكي» والساحل الشمالى الغربى ووسط سيناء وغير ذلك اضافة إلى إقامة الصوامع الحديثة لتخزين محصول القمح حتى نتجنب الهدر الذى كان يحدث الأهم من كل ذلك اختلاف النظرة إلى الفلاح المصرى الذى أصبح محط اهتمام القيادة السياسية وصار دعم الدولة له أولوية أولى فهو ابن البلد ودعمه حق له بدلاً من دعم غيره من فلاحى أوكرانيا أو فرنسا أو غيرهما من دول استيراد الحبوب الاستراتيجية وصار شراء القمح المصرى من الفلاحين يقارب فى ثمنه ما يدفع لغيرهم من الدول الأخري.. وهذه بدايات مبشرة لتشجيع الفلاح المصرى على بذل الجهد وزراعة مساحات كبيرة حتى يتم سد الفجوة فى المحاصيل الاستراتيجية والدولة من جانبها بدأت خطة الاكتفاء الذاتى لأن ذلك فى حد ذاته «قضية أمن قومي» فمن يملك قوته من فأسه يملك قراره دونما أدنى تدخل فى أحد.. وها نحن على وشك أن نحقق هذه المعادلة لتعود مصر من جديد واحدة من رواد الانتاج الزراعى بكافة أشكاله.. ولم لا.. وهى صاحب التاريخ الطويل فى هذا المضمار.. ومصر بسواعد رجالها وإرادة شعبها وتخطيط علمائها لقادرة على العودة السريعة والتقدم إلى الصفوف الأولى نحو الاكتفاء الذاتى بل وتصدير ما يفيض عن حاجتها.. وإن غدا لناظره قريب.