الخارجية المصرية مليئة بكفاءات نادرة.. وتاريخ الدبلوماسية المصرية على مدى أكثر من 100 عام غنى وثرى بالأسماء التى صنعت تاريخها ووزارة الخارجية لديها قوائم وقامات من الأسماء المميزة التى يشار لها بالبنان منذ بداية العمل الدبلوماسى المتعارف عليه الآن.. ومن بين هذه الأسماء الدكتور نبيل العربى أحد فرسانها الذى شغل عدة مناصب دبلوماسية مصرية فى عواصم العالم اضافة إلى وصوله لكرسى وزير الخارجية ومن بعدها أمينا عاما لجامعة الدول العربية وليس صدفة انه ربما أمين الجامعة الوحيد الذى اكتفى بفترة واحدة.. ففى منصبه الأخير أمين عام جاء بعد رحلة دبلوماسية طويلة منذ التحاقه بالخارجية على مدى نحو 5 عقود تقريباً.. وهو الدبلوماسى الذكى دارس القانون والسياسة فنقش اسمه على جدار العمل الدبلوماسى فى مدارس الخارجية المصرية التى تضم أسماء لامعة فى تاريخها وبينهم ابن الشرقية محمود عزمى أول مندوب لمصر فى الأمم المتحدة بعد تأسيسها عام 1945 وبين أمناء الجامعة بداية من عبدالرحمن عزام ومرورا بعبدالمنعم رياض وعبدالخاق حسونة ومراد غالب ومحمود فوزى ود. محمد حسن الزيات واسماعيل فهمى ومحمد رياض واسماعيل فهمى وابراهيم كامل ومحمد كامل عمرو ونبيل فهمى وعصمت عبدالمجيدوأحمد ماهر وعمرو موسى وسامح شكرى وأحمد أبو الغيط وصولا إلى فقيد الدبلوماسية المصرية نبيل العربي..
وبالنسبة لى التقيت به أول مرة فى أواسط السبعينيات وكان ذلك فى جمعية الأمم المتحدة بالقاهرة ودعانا للقاء د. مفيد شهاب «أطال الله عمره» رفيق العربى فى الدفاع عن طابا.. وكانت لقاءات جمعية الأمم المتحدة فى ذلك الوقت تجمع شباب العمل الدبلوماسى وطلاب من الاقتصاد والعلوم السياسية والاعلام والحقوق فى الغالب.. وبالفعل استفدت كثيرا من ندوات الجمعية خاصة تلك التى بها الشاب نبيل العربى حيث كانت أحاديثه تثرى اللقاءات بالمعلومات حول القضايا التى تطرح للنقاش فى هذه الجمعية التى لا يزال مقرها فى وسط البلد لكن لا أعرف هل مازالت نشطة بنفس الزخم أم لا!! كانت لقاءات نبيل العربى يحضرها بأهمية حضورنا محاضرة للدكتور جمال الدين العطيفى أو على الدين هلال أو جلال الحمامصي.. الجميع يبحث عن الثقافة الدبلوماسية الراقية والتى كان يوفرها لنا الدكتور نبيل صاحب الثقافة القانونية والدبلوماسية التى يثريها الدكتور مفيد شهاب وآخرون من ضيوف الجمعية.
ومع إعلان الرئيس السادات السفر إلى اسرائيل كان الدكتور نبيل العربى قد قطع شوطاً مهماً فى الخارجية وعند التحديد لعقد كامب ديفيد كان نبيل العربى «الشاب وقتها» أحد أبناء الخارجية الذين رافقوا الرئيس السادات فى مباحثات كامب ديفيد.. ومع توارد أخبار المباحثات وتعقيداتها بين بيجن والسادات كان أصغر شهودها الشاب نبيل العربى بحسب خلفيته القانونية وأيضاً تجربته الدبلوماسية الشابة.. وبعد عدة أيام من الشد والجذب وصلنا إلى توقيع الاتفاقية بواسطة السادات وبيجن والرئيس الأمريكى كارتر فى حفل كبير.. اللافت ان هذا الحفل لم يحضره د. نبيل حيث ابلغ انه أصيب بمغص شديد.. وقد سألته عن حقيقة هذا الآلم فرد.. بدبلوماسية شديدة الرقى وبابتسامة عريضة «كان مغصا حقيقيا».. د. نبيل العربى كان قليل الأحاديث التليفزيونية والصحفية وكان يدرك متى يتكلم وأى كلام يقول.. تعلمت منه ان الصمت فى أحيان كثيرة رسالة أبلغ من الكلام.. تجربته فى مباحثات طابا دوَّنها فى مذكراته واعتبرها مع الفريق المصرى المفاوض الذى نجح فى اثبات حق مصر فى هذا الجزء الغالى من أرضنا وبينهم د. مفيد شهاب ود. وحيد رأفت والقانونى البارز الدكتور محمد طلعت الغنيمي.. وكان نجاحه مع الفريق علامة بارزة فى حياته الدبلوماسية والقانونية وكان يرى انه يكفى جهده القانونى والدبلوماسى فى عودة طابا إلى حضن الدولة المصرية.. رغم انه شغل منصب المندوب الدائم لمصر فى الأمم المتحدة فى جنيف ونيويورك فى الثمانينيات والتسعينيات وفى مسيرته كان قاضيا فى محكمة العدل الدولية وكان أحد القضاة الذين أصدروا الحكم التاريخى فى يونيو 2004 بإدانة إقامة إسرائيل للجدار العازل.. الفقيد الدبلوماسى المصرى والعربى يعد قامة وقيمة دبلوماسية كبيرة أثرت الفكر الدبلوماسى المصرى كما اثرت الفكر القانونى الدولي.. فقد كان أحد علامات الدبلوماسية المصرية التى ستظل لها بصمتها الناجحة رحمه الله.