>> حضرات الشيوخ والنواب المحترمين.. لقد انقضى وقت الكلام وجاء وقت العمل، العمل الدائب المنتج الذى لا يعرف ضجيجًا أو صخبًا، بل يقوم على التدبير والتنظيم وتوحيد الصفوف لمواجهة جميع الاحتمالات وتذليل كل العقبات، وإقامة الدليل على أن شعب مصر والسودان ليس هو الشعب الذى يٌكره على ما لا يرضاه أو يسكت عن حقه فى الحياة، أما الخطوات العملية التالية فستقفون على كل خطوة منها فى حينها القريب، وإنى لعلى يقين من أن هذه الأمة الخالدة ستعرف كيف ترتفع إلى مستوى الموقف الخطير الذى تواجهه متذرعة له بالصبر والإيمان والكفاح وبذل أكرم التضحيات فى سبيل مطلبها الأسمي. يا حضرات الشيوخ والنواب المحترمين .. من أجل مصر وقعت معاهدة سنة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها- بتلك الكلمات تحدث مصطفى النحاس- رئيس وزراء مصر للبرلمان – فى يوم 8 من أكتوبر عام 1951 – شارحًا لأعضائه من النواب والشيوخ تفاصيل المفاوضات التى أجرتها حكومته مع الجانب البريطانى لتحقيق الجلاء عن مصر وتوحيد شطرى الوادى (مصر والسودان) تحت التاج الملكي.
زلزل إلغاء المعاهدة كيان بريطانيا، فقد اجتمع فى اليوم التالى وزير خارجية بريطانيا بكل مستشارى الوزارة وحضر الاجتماع قائد القوات البرية فى الشرق الأوسط وأصدر الوزير بياناً يحتج فيه على إلغاء المعاهدة، ثم طار الى القاعدة البريطانية فى قناة السويس، وطلب السفير البريطانى من القادة البريطانيين لجيش الاحتلال الاجتماع به فى نفس اليوم فى الإسكندرية واستمر الاجتماع حتى منتصف الليل، وألغت الحكومة البريطانية الاجازات لجميع قوات جيش الاحتلال، وفى الخرطوم طافت دبابات الجيش البريطانى فى الشوارع لإرهاب السودانيين فقابلوها بالهتافات بسقوط الاحتلال، لتشتعل شرارة الثورة ضد الاحتلال فى كافة الانحاء- كنتيجة لالغاء النحاس للمعاهدة.
يُعد دخول مصطفى النحاس الحياة السياسية مرتبطًا بإعلان الرئيس الأمريكى ويلسون للمبادئ الأربعة عشر التى أُذِيعت بعد الحرب العالمية الأولي، حينما نادى بحق الشعوب فى تقرير مصائِرها، ليصبح النحاس أحد أبرز السياسيين المصريين فى القرن العشرين، رفض منصب رئيس وزراء مصر بتعيين من الاحتلال، ثم تولى الوزارة بعد الحاح من الملك ، كما تولى رئاسة مجلس الأمة ، وساعد على تأسيس حزب الوفد وعمل زعيماً له من 1927م إلى 1952 ، ساهم كذلك فى تأسيس جامعة الدول العربية، وفى مثل هذه الايام، بعد حياة استمرت 86 عاماً، وتحديدا فى 23 أغسطس 1965، فارق جسده دنيانا فى جنازة مهيبة تليق بعشاق الوطن، لتخلد ذكراه فى وجدان الوطن والوطنيين.