سؤال طرحته كثيرًا فى الأشهر الأولى للعدوان الصهيونى الهمجى على قطاع غزة الذى يستمر للشهر الحادى عشر على التوالى وتضرب تل أبيب بكافة القوانين والمبادئ الإنسانية والقرارات الدولية والأممية عرض الحائط غير مبالية قبل ذلك ولا تخشى ولا تخاف من أحد، السؤال الذى طرحته ومازلت أتمسك به ما هو سر استمرار الكيان الصهيونى فى العدوان البربرى والوحشى على قطاع غزة، وحرب الإبادة التى يشنها جيش الاحتلال، على الفلسطينيين الأبرياء من المدنيين والأطفال والنساء، والحجر والبشر حتى باتت غزة مجرد أشلاء واطلال وسط صرخات الجوع، والمرض، والقتل، دون جدوي، ودون مغيث فى عالم تحجر قلبه وحكومة إسرائيلية شديدة التطرف يقودها مصاص دماء، ما سر هذا التمادى والاطمئنان على مواصلة حرب الإبادة والتصعيد، وتهديد المنطقة بحرب شاملة، تهدد أمن واستقرار وحياة شعوبها بل وتهدد أمن واستقرار العالم، للدرجة التى يئس فيها أنطونيو جوتيرش الأمين العام للأمم المتحدة ووضع يده فى الشق بعد أن بح صوته بالمطالبة بإيقاف المذابح والمجازر الإسرائيلية، وما سر إصرار إسرائيل على إفشال وإجهاض المفاوضات وجهود الوسطاء للوصول إلى وقف العدوان وإطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، فى ظل المطالب والشروط المتجددة والتى لا تنتهى التى يحاول نتنياهو فرضها، وإصراره على البقاء فى محور صلاح الدين «ممر فلادلفيا» وعلى الجانب الفلسطينى من معبر رفح، وتوسيع محور نتساريم وإنشاء قواعد، وهو الخط الذى يقسم القطاع إلى شطرين ويعكس رغبة إسرائيل الشيطانية فى البقاء فى غزة.
الإجابة على السؤال الكبير، وما تضمنه من أسئلة فرعية، تتلخص فى الدعم الأمريكى المطلق واللامحدود وعلى بياض للكيان الصهيونى بل ودعم نتنياهو وحمايته وتنفيذ رغباته المسمومة، بما يشير إلى وجود اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على سلة أهداف وليس فقط قطاع غزة أو مجرد تصفية القضية الفلسطينية، فالأمر أكبر بكثير لكننى على يقين أن مصر هى الهدف الرئيسى ليس فقط من العدوان على غزة، لكن فيما يحدث فى السودان والبحر الأحمر وباب المندب، والقرن الافريقي.
أمريكا تدعم إسرائيل بشكل مطلق، وهذا ليس جديدًا فهى التى أكدت على ألسنة كبار مسئولين، أن إسرائيل لو لم تكن موجودة فى المنطقة لأوجدناها، ولعل الدعم الأمريكى فى فترات الصراع العربي-الإسرائيلى لا يخفى على أحد، ولا يقتصر هذا الدعم على خط الجسر الجوى والبحرى للامدادات العسكرية بكل صنوف الأسلحة الفتاكة، أو زيادة أعداد القوات الأمريكية فى المنطقة لتصل إلى أكثر من 30 ألف جندى أمريكى إضافة إلى حاملات الطائرات، والمقاتلات الشبحية، والغواصات والمدمرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والمعلومات الاستخباراتية التى تمد بها إسرائيل، ولكن الأمر يتسع لأكثر من ذلك، فهى الأداة السياسية والدبلوماسية، وتسخير النفوذ والهيمنة الأمريكية لصالح أهداف ورغبات ومصالح إسرائيل، أو مصالحهما المشتركة، بل وتسخير النفوذ الأمريكى فى تحقيق أهداف إسرائيل فى المفاوضات، وتغيير مضمون مقترح بايدن الذى وافقت عليه المقاومة الفلسطينية فى 2 يوليو الماضى ليضم بعد ذلك فى الجولات الأخيرة مطالب جديدة على مقاس نتنياهو، وبإيجاز منه للدرجة التى بات الجميع لا يعرف ماذا يريد نتنياهو ومن أين له هذه القوة والفجاجة، ومن يقف وراء ذلك، بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية حتى بلغ العدوان شهره الـ 11 دون إرادة أمريكية وقدرة على وقف العربدة الإسرائيلية وهو ما أصاب العالم بالجنون، فإسرائيل لم يعرف عنها خوض حروب طويلة، أو متعددة الجبهات فى ظل خسائر وفشل شامل أمنيًا واستخباراتيًا وعسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وانكشاف كامل لحقيقة الكيان الصهيوني، وسقوط أقنعة الإنسانية والديمقراطية وحقوق الإنسان على وجه إسرائيل بشكل خاص والغرب بشكل عام.
الحقيقة الثابتة والراسخة والساطعة فى كل ما يجرى أن الموقف المصرى شديد الوضوح والثبات، فالرئيس عبدالفتاح السيسى دائم التأكيد على أن استمرار العدوان والتعقيد من شأنه توسيع رقعة الصراع، وآخرها فى اتصال هاتفى من الرئيس البلغارى أن التصعيد الجارى يضع المنطقة رهينة الاحتمالات وتوسيع الحرب إقليميًا، ومصر أيضًا تؤكد أنها تدير المفاوضات والوساطة بين طرفى الصراع فى غزة بما يتوافق مع أمنها القومى ويحفظ حقوق الششعب الفلسطينى منتهى الشرف والوضوح، بل وتبذل جهودًا مخلصة ومتواصلة من أجل نزع فتيل اشتعال المنطقة.
الحقيقة أن الموقف الأمريكى لم يعد شديد الغموض بل بات شديد الوضوح، فما حدث فى الهجوم الإسرائيلى على لبنان بزعم أنه ضربة استباقية بعد ورود معلومات أن حزب الله يتأهب لشن هجوم ردًا على اغتيال القيادى فى الحزب فؤاد شكر وهذه المعلومات أطلقتها الإدارة الأمريكية لتبرير الهجوم الإسرائيلى رغم أنه سبق هجوم حزب الله الصاروخى وبالمسيرات بما يقرب من 40 دقيقة، وهو ما يكشف عدم جدوى وفاعلية الدور الأمريكى فى محاولة تهدئة ووقف التصعيد فى المنطقة، بل إن انحيازها كامل وشامل لإسرائيل بكل صنوف الدعم، بل والقتال وتوجيه الضربات على اليمين، والتصدى لصواريخ إيران والحوثيين المهمة لإسرائيل.
لكننى أتوقف كثيرًا عما أطلق عليه حروب «البلاى ستيشن»، أو الحروب المتفق عليها مسبقًا سواء لحفظ ماء الوجه، أو لمزيد من تمكين إسرائيل للتقدم وشرعنة ضرباتها، وهجماتها، فالتهديد والوعيد بالرد والثأر فى النهاية يكون بشكل مرسوم، ومتفق عليه، تحت مسميات كثيرة.
المواقف الأمريكية الداعمة بشكل مطلق لإسرائيل وتوفير مظلة الحماية لإجرامها، لا يبشر بالخير فى مستقبل المنطقة، وأمنها واستقراره، ويعكس وجود أهداف خبيثة يتم تدويرها فى المنطقة، لكن المؤكد أن أمريكا فقدت مصداقيتها، وان كان ذلك ليس جديدًا، لكنها فى ذات الوقت ليست وسيطًا نزيهًا أو محايدًا، فى ظل الانحياز الأعمي، والدعم المطلق وغير المحدود لإسرائيل.
واشنطن لو لديها رغبة وإرادة فى إنجاح المفاوضات لفعلت ولو أرادت لألزمت وضغطت على إسرائيل، وفى اعتقادى أن السبب ليس فى الحالة الضبابية والمنافسة بين الديمقراطية والجمهورية على الوصول إلى البيت الأبيض فكلاهما داعم بشكل مقلق لإسرائيل، لكننى أرى أن هناك أهدافاً أمريكية – إسرائيلية تديرها الدولة العميقة فى أمريكا، وأيضًا من وجهة نظرى أن ما يجرى فى المنطقة وعلى رأس ذلك العدوان الإسرائيلى على غزة والتصعيد هى أمور مخططة ومتفق عليها وتدار لتحقق أهدافاً ومخططات، وهناك توزيع وتقسيم أدوار ما بين واشنطن وتل أبيب، وأطراف إقليمية، وأن إسرائيل تخوض حرب وعدواناً بالوكالة لمعاونة أذناب وأدوات فى المنطقة.
تأتى مصر على رأس قائمة الأهداف الشيطانية المطلوبة لأنها ببساطة تقف حائط صد، وشوكة فى حلق المخطط، وأن التاريخ يفخر بما حققه الرئيس السيسى فى تمكين مصر من القوة والقدرة والردع، وإدارة المشهد المشتعل بحكمة وثقة بالغة، وصبر استراتيجى يدرس لحفظ والحفاظ على الأوطان.
تحيا مصر