يظل هاجس الثانوية العامة كابوسا مرعبا ومزعجا لكل الاسر المصرية وهى تمثل عنق الزجاجة بالنسبه للطالب الواقع تحت وطأة قدرين لا ثالث لهما إما ان ينطلق من هذا النفق الضيق الى براح العالم فى الجامعة التى ينشدها أو يظل محبوسا فى هذا النفق فيظل غير قادر على التأقلم مع الواقع لنجد حالة غير مريحة فى الواقع المصرى مؤثرة وبشكل كبير على المزاج العام للاسر المصرية.
ففى كل عام يتم إعلان حالة الطوارئ فى البيوت المصرية، بسبب الثانوية العامة، وتطلق وسائل الإعلام نفس العناوين المطمئنة من وزارة التربية والتعليم، بأن امتحانات الثانوية العامة لن تخرج عن المنهج، وستكون فى مستوى الطالب المتوسط.. وشكاوى من صعوبة امتحان.
« مولد الامتحانات « الفيزياء أو الكيمياء.. ضبط حالات غش جماعى أو تسريب الامتحانات قبل موعدها.. وصور بكاء ونحيب، وبعد انتهاء ينتظر الجميع النتيجة، ومن ثم نتيجة التنسيق، فيصاب أغلب الطلبة مجددا بانهيار عصبى لأنهم فشلوا فى الالتحاق بإحدى كليات القمة تلك الافكار السلبية التى تهيمن على جميع الأسر وتضع الشباب تحت ضغوط نفسية كبيرة.
والمؤلم حقا هو الفلسفة والفكر السائد فى التعامل مع نتائج الثانوية العامة خاصة ما يسود الواقع من اللهفة وراء مسمى كليات القمة مهما كان المستوى العلمى للطالب… والواقع ان مصطلح كليات القمة التى يهرول البعض وراءها مهما كانت التكاليف والعقبات اصبح واقعا كالاعراف والتقاليد المتفق عليها يخاف منه الطلبة، ويسعون إلى إرضائه بالتوقف « بعبع « ولا شك ان إيمان الناس بوجود كليات القمة هو السبب فى تحول الثانوية العامة إلى الحياة الطبيعية، وإنفاق كل مدخرات الأهل فى الدروس الخصوصية وليس من المنطقى أن يكون الطبيب والمهندس والصيدلي، أكثر أهمية أو أعلى شأنا من المحاسب والمدرس والمحامى والمهندس الزراعى والأخصائى الاجتماعى ليس عيبا أن يكون حلمك هو الوصول لإحدى كليات القمة تسهر لأجله الليالي، لتنال العلا، لكنه عليك أن تتهيأ نفسيا، إذا ما ذهب الحلم أدراج الرياح، لتبدأ رحلة البحث عن كلية مناسبة.
-إذا خالفت النتيجة توقعك واضعا فى الاعتبار أن اختيار الكلية التى تتوافق مع قدراتك وامكانياتك العقلية والمادية بعيداً عما يسمى بكليات القمة قد يصل بك الى القمة ذاتها.
وإذا اعترفنا ان كليات الطب والصيدلة والهندسة هى كليات قمة فهل يمكن ان نعتبر باقى الكليات مثل التجارة والحقوق والزراعة والسياحة والاداب الخ.. هى كليات قاع الامر الذى يقلل من قيمة مثل هذه الكليات ومن قيمة الملتحقين بها بما يعود بمردوداً سلبى واسع المدى على الواقع المجتمعي.
هوس كليات القمة سببه الرئيسى هو أن العلاقة بين منظومة التعليم والعمل أصبحت غير موجودة بالمرة، ولهذا السبب يضطر الطلاب إلى التفكير فيما يسمى بكليات القمة، المنحصرة فى -طب – هندسة وصيدله، ظنا منهم أن هذا هو الطريق للتأهيل لسوق العمل، سواء داخل البلد أو خارجها رغم ان القمة الحقيقة قد تكون فى كليات اخرى مثل علوم الحاسب والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، العلوم السياسية، مجال البيزنس والأعمال، الاقتصاد، اللغة الإنجليزية وآدابها، علم النفس، التربية، التمريض، الهندسة الكيميائية، الأحياء، التربية الرياضية.
ولابد ان نؤكد ان العلم بمفهومه الواسع هو العلم الذى يخدم المجتمعات ويقدم نماذج فى كافة المجالات فالمجتمع فى أمس الحاجة لعامل النظافة بقدر احتياجه للطبيب واحتياجه للقاضى والمحاسب والمحامى والمدرس والممرض ولا يمكن ان نقلل بأى صورة من قيمة اى مهنة.
ومن هنا استطيع ان اؤكد ان كل الكليات هى كليات قمة وان الطالب المجتهد المؤمن برسالته وتدعمه اسرة واعية مدركة لكل ابعاد الامور تعى وتدرك ان الطالب هو من يستطيع ان يجعل من الكلية التى ينتسب اليها كلية قمة بعيد عن التصنيف التقليدى الذى يقتصر على الطب والصيدلة والهندسة فكلية الحقوق والاداب والتجارة والالسن والزراعة والسياحة والتربية وغيرها هى كليات قمة يستطيع من خلالها الطالب المجتهد المتميز ان يحقق فيها نجاحا متميزاً يجعل نفسه هو فى القمة فيتبوأ مركزاً كبير سواء فى العمل الجامعى أو بالقضاء أو بالاقتصاد أو بالادارة وغيرهم من المجالات فيكون عالما فى مجاله نافعا للمجتمع بعمله وعلمه فالشخص هو صانع القمة وليس المكان.
وهنا تجدر الاشارة الى ان التكالب الغير منطقى من اولياء الامور حتى غير القادرين والحاق ابنائهم بكليات لا تتفق مع قدراتهم ولا رغباتهم ولكن بهدف مواكبة الظواهر الاجتماعية الدخيلة على مجتمعنا للتفاخر بأن الطالب قد استطاع ان يدخل أحدى كليات القمة حتى بالتعليم الخاص مهما كان المقابل الغير منطقى المرهق للاسرة المصرية.
فنجد من حصل على 70 ٪ واقل يبحث عن اماكن بكليات ما يسمى بالقمة بالجامعات الخاصة ليحصل على اللقب فقط دون الاعتراف بقدراته العلمية وما اذا كان يستطيع ان يحقق نجاحا فى المجال من عدمه ولكن الهدف فقط هو الوجاهة الاجتماعية مهما كلفه ذلك وفى هذا الصدد أود ان اشير الى ان من بين الشخصيات العامة علماء وأدباء وفنانين ورواد أعمال، لم تكن بدايتهم من الطب والهندسة وكليات القمة بل كافحوا وزادوا فى عِلمهم حتى وصلوا إلى القمة ومن اهمهم العالم الراحل أحمد زويل الذى تخرج من كلية العلوم جامعة الأسكندرية واستكمل دراسته حتى أصبح عالما وحصل على جائزة نوبل كذلك عملاق التنمية البشرية الراحل إبراهيم الفقى الذى استكمل تعليمه من خلال الكتب والقراءة حيث تخرج من كلية السياحة والفنادق وسافر الى كندا للعمل بإحدى الفنادق حتى أصبح مديراً لأشهر الفنادق بها وكذلك كلية الحقوق التى خرجت اجيالاً من الوزراء والسياسيين ورؤساء المحاكم ورؤساء لمجالس النواب على مر التاريخ.
وختاما لا يستطيع أحد ان ينتقص من قدر كليات القمة كما يقال ولكن اؤكد مراراً وتكراراً ان علينا جميعا ان نطور من افكارنا ولنرفع شعاراً بأن الشخص ذاته هو صانع القمة ولا يوجد ما يسمى كليات القمة فنجد من تميز وبرع وابدع وخدم المجتمع وهو خريج إحدى الكليات التى لا تنتسب الى ما يسمى بكليات القمة… والقمة ارادة والارادة تضع المستحيل والمستحيل ليس صعبا والكليات جميعها كليات قمة بالارادة القوية ولكن لابد ان يواكبها منظومة تعليمية شاملة للتعليم قبل الجامعى والجامعى تواكب الواقع وتلبى تطلعات المستقبل واحتياجات سوق العمل.
حفظ الله مصرنا الحبيبة وحما شعبها العظيم وقائدها الحكيم