يتقابل نور الشريف مع عزت العلايلي وعمر الحريري لاجل هدف غير معلن، ولكنه معروف تماما للثلاثة؟ فقد تغير الزمن بهم بعد الانفتاح، فتحول زغلول بيه،المستورد الكبير الي رجل مشبوه، بينما اصبح زعتر، تابعه،ندا له،وفي الوسط يعيش الضابط محمد فوزي حائرا بين الأثنين، يتضح له أنهما أفاقان، ومهربان،وكل منهما يريد الزواج من ابنة شقيقته سهام (سعاد حسني) في فيلم (أهل القمة) الذي اخرجه علي بدرخان عام 1981، عن قصة لنجيب محفوظ شارك في كتابتها للسينما مع مصطفي محرم، ولم تكن مشاركته مجرد نزوة، ولكنه – اي محفوظ – عاش حياته للكتابة، ولم يتوقف عند الرواية فقط (كتب 38 رواية) وانما كتب مجموعات قصصية، ومقالات بلا حدود،ومسرحيات ولم يتوقف برغم كل هذا العطاء، وانما قرر ان يتعلم الكتابة للسينما، اي ان يتحول كاتب سيناريو يقدم القصة والسيناريو والحوار للأفكار التي تعجبه، فقد لاحظ أنه من الصعب ان يتدخل في عمل السيناريست الذي يكتب أفلاما عن رواياته، ولهذا وضع قاعدة قالها للجميع، وهي أنه لا يستطيع التدخل في عمل كاتب سينمائي يحول احدي رواياته لفيلم،وانما الحل الوحيد هو ان يقوم هو بتعلم الكتابة للسينما ليكتب القصص التي يراها مهمة لفيلم يراه الجميع،كان محفوظ قد عرف تأثير السينما الكبير،وان جمهورها يفوق كثيرا قراء الادب، ولهذا قدم شكره وامتنانه للمخرج صلاح ابو سيف الذي تعلم منه كتابة السيناريو، وبرع في هذه (المهنة) لدرجة أن عدداً غير قليل من أفلامه التي كتبها للسينما تم اختيارها ضمن قائمة أهم فيلم مصري.
من «جميلة».. الى «جعلونى مجرما»
المدهش هنا ان افلام نجيب محفوظ السيناريست معبرة عن أهميته الشديدة ككاتب سينمائي بقدر ما عبرت رواياته عن قيمته ككاتب روائي، وقدمت له أهم جوائز العالم، وهي جائزة نوبل، ففي تاريخه فيلم شديد الاهمية هو (جميلة) للمخرج يوسف شاهين عن قصة حياة وكفاح المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد ضد الاحتلال الفرنسي، وقد شارك في كتابة الفيلم عدد من كبار الأدباء منهم يوسف السباعي الذي كتب القصة وعبدالرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ووجيه نجيب الذين شاركو في السيناريو والحوار بينما انفرد محفوظ بكتابة السيناريو من البداية للنهاية، وغير هذا كتب أفلام (ريا وسكينة)، و(شباب امرأة) و(الفتوة) و(بين السماء والأرض) و(جعلوني مجرما) وقبل هذا كله (مغامرات عنتر وعبلة )فأي موهبة هذه التي تمتع بها؟، وأي ابداع انتقل فيه بين الكتابة الروائية، الي السينمائية، الي المقالات، ثم الي العمل المكتبي يوميا، وغالبا في نفس المجال الثقافي حيث عمل رئيسا للرقابة،ورئيسا للمؤسسة العامة للسينما قبل ان يتم إغلاقها بعد إعلان الانفتاح الاقتصادي، ومن الجدير بالذكر هنا انه بقدر ما قدمت السينما رواياته في مصر، فإن دولة أخري هي المكسيك قدمت فيلمين عن رواياته حققا نجاحا كبيرا وهما (بداية ونهاية) للمخرج آرتورو ريبيشتين عام 1993، و(زقاق المدق) بعدها بعامين اخراج جورجي مونيز، وبطولة سلمي حايك والذي عرضه مهرجان القاهرة السينمائي في نفس العام.
التليفزيون وأفراح القبة
كانت روايته «أفراح القبة» هي آخر ما قدمته الدراما التليفزيونية عن أعمال نجيب محفوظ عام 2016، عن سيناريو محسن زايد وإخراج محمد ياسين،ومن الصعب إحصاء العدد الكلي لاعماله التي تحولت الي أعمال تليفزيونية خاصة مع اهتمام التليفزيون المصري بالثقافة وبرامجها في بداياته، ولذلك اصبح أدب محفوظ مصدر جاذبية وتحدياً لصناع الدراما التليفزيونية في بدايتها،ومع تعدد نوعيات وأوعية الدراما تحولت بعض أعماله وغيره من كتاب الرواية الي تمثيليات قصيرة مدتها نصف ساعة، والي تمثيليات سهرة تمتد لساعتين، والي سباعية، وصولا الي المسلسل التليفزيوني في حده الاقصي وقتها (ثلاث عشرة حلقة) وهو ما اعطي لأدباء هذا الزمن ما يستحقونه من تقدير عبر البرامج، وتحويل أعمالهم دراميا، قبل ان تزداد اهمية تحويل الأدب المقروء الي مرئي، ويظهر جيل جديد يكتب لاجل التليفزيون نفسه، وبالطبع يبحث عن كتاب الرواية الكبار، ومن هنا تحولت أربعة أعمال لمحفوظ الي دراما تليفزيونية في السبعينات هي ميرامار، وحكايات حارتنا، واللص والكلاب، والسمان والخريف، وايضاً فيلم ضمن مراقبة (افلام التليفزيون) بعنوان (الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين)، وفي الثمانينات قدم التليفزيون له مسلسل (عصر الحب)، وفيلمين هما (ايوب) و(من فضلك وإحسانك)، ومسلسلان هما (الحرافيش) و(الباقي من الزمن ساعة)، وبعدها توالت الافلام والمسلسلات، وان تعرض بعضها لمحظورات رقابية كبيرة مثل (بين القصرين) و(قصر الشوق) اللذين عرضا بكاملهما علي القنوات العربية (بإنتاج تليفزيون دبي) بعد حصول محفوظ علي جائزة نوبل، ولم يعرضا علي شاشة التليفزيون المصري بسبب الرقابة، وهكذا استمرت العلاقة بين أعمال نجيب محفوظ وبين التليفزيون من خلال أعمال مثل (حديث الصباح والمساء) و(قشتمر) و(حكاية بلا بداية ولا نهاية) التي سجلت لحظات حرجة في تاريخ مصر، وبعدها قدم التليفزيون فيلم (تحقيق)، ورواية (أهل القمة) التي تحولت لفيلم من قبل، ومسلسل(حضرة المحترم )، في مسيرة شديدة التنوع لكاتب متفرد تتبع مسار الاحداث في بلده ليكون عينا عليها من خلال إبداعه الأدبي، وبعد غد، تحل الذكري الثامنة عشرة لرحيل نجيب محفوظ في 31 اغسطس 2006. يعيش محفوظ بقدر ما قدم لنا من إبداع.