لا أحد على ظهر الأرض يعلم يقينا ماذا سيحدث غداً، ولن أكون مبالغاً إذا قلت إننا لا نقوى على متابعة وفهم كل ما يدور حولنا وبيننا! فهذه الفترة من التاريخ غير مسبوقة على الإطلاق، لكنها تشبه فى بعض تفاصيلها مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية والمتابع لما يجرى على الساحة الدولية يلاحظ بسهولة أننا نعيش فترة «إعادة التشكيل» وإعادة ترتيب الجمل الجيوسياسية فى إطار المتغيرات الجارية على الأرض، فالحرب الباردة بنسختها التقليدية قد انتهت ونتائج الحرب العالمية الثانية قد تآكلت وأعداء الأمس صاروا هم حلفاء اليوم، لذلك نتابع مرحلة مخاض ميلاد نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب يقوم على فكرة «الإقليمية الجديدة» حيث تظهر فى الأفق العديد من التكتلات البازغة فالتكتل العربى الجديد الذى يضم مصر ودول الخليج والعراق والأردن يعد نموذجاً لفكرة الإقليمية الجديدة، كذلك التكتلات فى جنوب شرق آسيا ودول الاسيان والتكتلات الأوروبية وتكتلات العالمين الروسى والتركى وغيرها، لكن تبقى القارة الافريقية هى المرتع الآمن لكل القوى الدولية لبناء تكتلات معها، الصين تحركت بسرعة وذكاء وموضوعية فتسيدت المشهد الأفريقى رغم ما يثار عن فكرة «المشروطية الاقتصادية» روسيا فعلت نفس الشىء لكن عن طريق «المشروطية العسكرية» أما فرنسا فحاولت استدعاء الماضى فى التعاطى مع ملفات القارة فكانت «المشروطية التاريخية» اليوم تجتمع زعامات القارة الافريقية مع قادة الولايات المتحدة فى محاولة لوضع أسس جديدة للعلاقة بين الطرفين لا تصطدم بـ»المشروطية السياسية» ومحاولة أمريكا فرض ثقافتها ومبادئها على العالم ومنه القارة الأفريقية بالطبع، لكن وقبل أن نستغرق فى شرح أبعاد الأهداف الأمريكية ومن قبلها الصينية والروسية وجب علينا أن نسأل أنفسنا أولاً: ماذا نريد نحن من علاقاتنا مع تلك الدول الكبرى؟