أحياناً ننشغل باعراض المرض دون أن نهتم بمعرفة اسبابه واحياناً الابناء، ينتقدون قسوة الظروف ومعاناتهم الحياتية دون الاهتمام بمعرفة ما يواجه الأب من تحديات وازمات واسباب هذا الضيق، لذلك فان ما يواجه مصر وشعبها من ضغوط وتحديات اقتصادية وراءها اسباب، وحتى تكون القناعة الكاملة والصبر على هذه الازمات والمعاناة من المهم الالمام بجذورها واسبابها فى ظل ما يواجه مصر من تحديات ومتطلبات وتهديدات غير مسبوقة، وربما تصنف بتحديات وجودية تستلزم اصطفاف الجميع من أجل العبور إلى بر الأمان ولأجل حماية الأمن القومي، فكما يقولون اذا «عُرف السبب بطُل العجب» وهنا انا لا اضع مبررات أو أعذار أو شماعات ولكن اتحدث عن واقع يعيشه العالم والشرق الأوسط وربما يشهد المزيد من الاشتعال أو يسقط فى فخ الحرب الشاملة أو الحرب العالمية، بالإضافة إلى اتساع دائرة ونطاق التحديات والتهديدات التى تواجه الأمن القومى المصري، وهو الأمر الذى يتطلب أمرين الأول امتلاك قوة وقدرة وردع هو موجود بالفعل بفضل رؤية استباقية استشرفت المستقبل، الثانى هو تحركات سياسية ودبلوماسية واستعادة المناطق والقوى الناعمة والعلاقات القوية.. التى تمثل دوائر الأمن القومى المصرى والمصالح العليا والمقدرات لهذا الوطن، مثلما نرى كيف استعادت مصر علاقاتها القوية مع دول القارة الأفريقية.
كما قلت ليس هناك مجال لمبررات أو أعذار ولكنه الواقع، واذا اطلعت على تفاصيل المشهد والصورة تستطيع أن تدرك الحقيقة، وتفهم ما يدور حولك واسباب تحركات الدولة المصرية لحماية أمنها القومى ومصالحها الاستراتيجية وهنا اطرح بعض النقاط التى أراها مهمة كالتالي.
أولاً: فرضت الصراعات والازمات والتوترات الدولية والاقليمية خلال السنوات الأخيرة، منذ جائحة كورونا إلى اندلاع شرارة الحرب الروسية – الاوكرانية وصولاً إلى التحديات الجيوسياسية فى الشرق الأوسط واشتعال المنطقة، سواء بالعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضى الذى أدى إلى تمدد الصراع عبر جبهات مختلفة وما يترتب عليها أيضاً من اضطرابات وتوترات فى البحر الأحمر وباب المندب وتأثير ذلك على إيرادات قناة السويس ثم دخول جبهات جديدة فى اليمن وإيران والعراق وسوريا كنتيجة لاستمرار العدوان الإسرائيلى على غزة، ثم ما يحدث فى السودان الشقيق من تمزق واقتتال وحرب أهلية ومأساة وكارثة إنسانية ثم مازالت تداعيات ربيع الخراب العربى الذى أضعف الدولة الوطنية فى دول كثيرة بالمنطقة وما تعيشه مصر من فترة استثنائية، محاطة بطوق من النار والتهديدات والمخاطر والازمات والصراعات على كافة حدودها واتجاهاتها الاستراتيجية فالحرائق مشتعلة حولنا من كل حدب وصوب ونحن طرف فى كل ما يدور وأيضاً نحن الهدف ومطلوب اصطيادنا واستدراجنا لأسباب كثيرة وعديدة وابرزها ان مصر تقف حائلا وحجر عثرة وشوكة فى حلق المؤامرة، كما ان مصر ليس مطلوباً ان تصعد أعلى سلم القوة والقدرة الشاملة لذلك قوى الشر تريد وتسعى إلى ضرب المشروع المصرى التعثر.
من هنا تجرى عمليات الاستفزاز والاستدراج والحصار والتطويق على قدم وساق بل الابتزاز والضغوط وتهديد مقدراتنا الوجودية لكن الحقيقة ان الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى تقف كالجبل الشامخ ترتكز وتقف على أرض شديدة الصلابة وقوة ترتكز على الحكمة والحسابات والتقديرات الدقيقة وتطويق المخاطر والتهديدات عبر آليات وتحركات دبلوماسية وسياسية تقوم على توطيد العلاقات والشراكات الاستراتيجية والتعاون المستمر والدعم لجهود الاشقاء.
كل ذلك بطبيعة الحال له تكلفته الباهظة ويمثل ضغطاً اقتصادياً تتحمله الدولة المصرية وشعبها فحالة الاستعداد القصوى واليقظة وتأمين حدودنا من كافة الاتجاهات المشتعلة لها أيضاً تكلفتها، وهنا الهدف اسمى وأعلى من كنوز الأرض، سواء للوطن والمواطن حفاظاً على سلامة الوطن وأمنه واستقراره وتوفير الأمان والاطمئنان للشعب فى ظل ما يحدث فى المنطقة المشتعلة، وتزايد اعداد اللاجئين الفارين من ويلات الصراعات.. وبالتالى فان هناك كلفة اقتصادية وفاتورة باهظة لابدان يتحمل المواطن فى ظل التحديات الوجودية التى تواجه الدولة المصرية.
ليس هذا فحسب فتداعيات هذه الصراعات والازمات والتوترات الاقليمية والدولية لها تأثيراتها السلبية والقاسية على الاقتصاد .
وبالتالى معاناة الشعوب فى ظل ارتفاع أسعار الطاقة والسلع والنقل وهو ما يشكل تحدياً أيضاً للدولة المصرية وتسعى إلى تخفيف وطأته عن المواطنين عبر وسائل مختلفة وبغير الأسعار الحقيقية للسلع فى العالم.
ثانياً: كنا نسرف فى النقد والهجوم على ترك مصر دورها خلال العقود الماضية فى مناطق عدة خاصة أفريقيا، وتسبب هذا الاهمال أو التقوقع واغفال هذا الدور فى تأثيرات واضرار بالغة، وتحديات للأمن القومي، لذلك فان مصر – السيسى على مدار الــ 10 سنوات الأخيرة نجحت فى استعادة الثقة وقوة العلاقات بين مصر والاشقاء فى أفريقيا، تتحدث القاهرة بلسان القارة السمراء وتدافع عن وجودها وحقوقها ومطالبها ولا تبخل بأى دعم ومساندة على كافة الاصعدة، سواء فى دعم الاشقاء فى السودان وجنوب السودان أو الصومال أو تشاد أو جيبوتى أو كينيا أو اريتريا وجميع الاشقاء فى القارة السمراء، لترسيخ التعاون المشترك وتحقيق أهداف التنمية المستدامة لذلك فان هذا الدور بطبيعة الحال له تكلفته الاقتصادية والدولة المصرية تتحرك مما يحقق سلامة وتأمين الأمن القومى والقدرات المصرية ودعم علاقات الاخوية والصداقة والتعاون والتفاهم والحوار بين الاشقاء فمصر لا تبخل فى هذا الإطار لكنها استثمار جدير بالاهتمام ويحقق أهدافاً استراتيجية مهمة.
ثالثاً: ما يحدث فى العالم والمنطقة من حولنا فى كافة الاتجاهات، من صراعات وتوترات وحروب وإرهاب وحرائق مشتعلة واطماع واوهام ومخططات لابد ان تكون هناك حالة من الاستعداد واليقظة والتأهب خاصة من الوارد فى علم الاحتمالات لا قدر الله ان تفرض علينا مواجهة، لذلك تتخد الدولة كافة الاحتياطات والإجراءات خاصة الاحتياطى الاستراتيجي، بما يكفى لأكثر من عام، وانجاز مخزون استراتيجى شامل، رغم ان مصر تتسم بالحكمة والصبر الاستراتيجى والفهم والادراك لما يدور ولديها قوة فائقة للردع لكن الدول تضع فى اعتبارها كافة الاحتمالات وبالتالى فان هناك تكلفة اقتصادية تتحملها الدولة خاصة اننا نعيش ظروفاً واوضاعاً استثنائية غير مسبوقة، والسؤال المهم الذى اطراحه على الجميع، ماذا لو لم تحقق بناء الدولة والقوة والقدرة والتنمية خلال الــ 10 سنوات الماضية، وماذا كان حالنا فى ظل هذه الحرائق، لذلك الرئيس السيسى وضع فى اعتباره كافة الحسابات والاحتمالات ومكن الدولة من القوة والقدرة، فحماية الدول والحفاظ على الأوطان له تكلفته لذلك يشعر المواطن ببعض الصعوبات لكن التحية للقائد العظيم، الذى امتلك الرؤية والارادة والقراءة المستقبلية لما يحدث الآن.