لم تشهد المنطقة العربية كما هائلا من عروض الاحتراف للاعبيها مثلما جرى فى الفترة الأخيرة، وشملت فئات سنية مختلفة، ابتداء من سن الناشئين والشباب ووصولا إلى أصحاب الخبرات الدولية الواسعة، وتباين تعامل المدارس والمنظومات الكروية مع تلك العروض، بين مرحب وساع وراء التوسع فى تلبيتها، ورافض لكل مظاهرها ومتمسك بتقوية وإثراء البطولة المحلية على حساب المنتخبات القومية.
للأسف الشديد، صرنا من فئة المتمسكين بلاعبينا والرافضين لتوسيع دائرة الاحتراف الخارجي، والوصول لعدد مناسب ممن نطلق عليهم المحترفين الحقيقيين، مقابل توسع ورغبة أكيدة من منظومات ومدارس أخرى فى الموافقة والترحيب بعروض احتراف خارجية أوروبية.. وكيف فتح القائمون على هذه المدارس الباب تماما أمام المزيد من تجارب السفر أمام بعض الواعدين من اللاعبين، والتدخل بشكل مباشر لديهم ولدى أنديتهم لتسهيل فكرة المعايشة واكتساب الخبرات المطلوية فى سن صغيرة.
سيبقى أحمد مصطفى زيزو نجم المنتخب والزمالك المثال الحى والبارز عند الحكم على خط سير الكرة المصرية وموقفها من الاحتراف الخارجى والحقيقي، بعد أن تسابق كثيرون لإقناع اللاعب بالسفر وقبول فرص اللعب فى الدوريات الخليجية، واعتبارها فرصة سانحة ومميزة ومناسبة له ولغيره من اللاعبين، فى الوقت الذى فتحت فيه هذه الدوريات الفرص أمام نجومها للسفر والاحتراف الأوروبي، واعتبروا ذلك سبيلا لخدمة المنتخبات الوطنية، وتوفير العناصر المميزة والقادرة على تمثيل بلدانها كما يجب فى التحديات المقبلة.
نظرة سريعة وفاحصة، تكفى للحكم على مدى التطور فى التفكير، وكيف نظرنا نحن إلى المسابقات المحلية وضرورة حسم الصراع بها، من خلال التفريط فى اللاعبين والفوز بعوائد مالية ضخمة لشراء غيرهم والصمود فى مسار المنافسة المعدومة والبعيدة تماما عن أرض الواقع . ولم يكتف هؤلاء بذلك بل سعى بعضهم لإقناع بعض الشباب الذين اختاروا السفر مبكرا، بالعودة واللعب مجددا لفرق محلية، وأوهموا الجميع بضرورة تجنب المجازفة ومرادفات الجرأة وتحديات الاغتراب والعودة لصفوف أنديتهم القديمة بمصر أو أخرى تقدرهم ماليا بما يناسب قدراتهم ومؤهلاتهم الفنية والبدنية، ووجدت هذه النداءات استجابة سريعة وواسعة من البعض، وهو ما يفسر ظهور بعض المحترفين الشباب مجددا فى الدورى المصري، وتفكير البعض الآخر فى السير على نفس النهج.
إذا ما أردنا الارتقاء بالمنتخبات الوطنية وقوتها، علينا التحلى بنظرة الباحثين عن المصلحة العامة، وليس مصالح الأندية المحلية التى فاقت المنطق والمعقول فى كل الأحوال.