تتحطم سنوات عمرنا تحت عجلات قطار السرعة المذهل، كل ما يدور حولنا يجرى بسرعات فائقة لا يكاد المرء يتابع كل تفاصيله، تحولت حياتنا إلى مزيج من السرعة المقلقة والقلق المتسارع، الخوف من «الغد» والندم على «الأمس» والنتيجة هى إهمال «اليوم» بكل تفاصيله، تحولنا إلى آلات تسير وفق ما هو مرسوم فلا مجال لاختيارات من متعدد، قطار الحياة أسرع من الصوت والضوء، العمر تحول إلى لحظات تمر كلمح البصر، كنا فيما مضى نجلس مع أنفسنا قليلاً نتأمل ونراجع بهدوء، اليوم لم يعد أسعدنا حظاً يمتلك رفاهية التأمل والجلوس مع ذاته قليلاً دون هجمات خارجية متعددة تفسد عليه تلك اللحظات النادرة، كل شىء فى حياتنا بات يحدث بسرعة مذهلة! الحب والكراهية، الإيمان والكفر الشك واليقين، النجاح والفشل حتى الموت والحياة، اختفت لحظات التأمل من حياتنا ولم يعد لدينا وقت لنحيا أو نستمتع بالحياة، ما هذا الذى يدور حولنا ومعنا وبنا؟ كيف يتفلت العمر من بين أيادينا بهذه السرعة؟ لماذا لم ننتبه أننا غير منتبهين؟ لماذا لم نكن ندرى أننا لا ندرى؟ إنه عصر الفيمتو ثانية والتطورات التكنولوجية المذهلة التى يعيش فيها الإنسان على أطراف أصابعه، فالأذن مترقبة رنات متنوعة تخرج من هواتفنا تخطرنا بمكالمة أو رسالة أو خبر أو تعليق، أذهاننا مشغولة طول الوقت بما نفعله الآن وما يجب علينا فعله بعد قليل، نتحدث بسرعة مذهلة حتى ننهى المكالمات ثم نغلق الهاتف ونواصل متابعة صفحات «السوشيال ميديا»، نأكل بسرعة ونمشى بسرعة ونتحدث بسرعة ونقرأ بسرعة ونعمل بسرعة ونستمتع بسرعة ونحب بسرعة ونكره بسرعة ونمرض بسرعة ونموت أيضا بسرعة! لذلك كنت سعيداً وانا أقرأ كتاب «فى مديح البطء» للكاتب الكندى كارل أونوريه الذى وضع يده على الكارثة التى يعيشها الجميع وهى السرعة التى جعلت حياتنا خالية من الاستمتاع واللذة وسلبتنا قيمة التأمل الذاتى وتحولنا جميعاً إلى عصر عبودية السرعة، لذلك طالب الكاتب بضرورة منح «البطء» حقه فى الوجود ومنحه مساحة من حياتنا ليستطيع أن يجابه طغيان السرعة ويهدم أصنام القلق والترقب التى تم بناؤهما على قواعد السرعة، وخرجت من الكتاب بحزمة من الأفكار التى يجب أن يتم تطبيقها دون إبطاء! لنمارس حياتنا ونستمتع بها فنأكل ببطء ونتكلم ببطء ونتأمل ببطء ونكتب ببطء ونسمع ببطء ونتعامل مع الناس بروية ودون سرعة فى إصدار أحكامنا عليهم وعدم التسرع فى تكوين دوائر جديدة بأعباء جديدة وسرعة متزايدة، كل ذلك حتى نشعر أننا أحياء ونتخلص من عبادة السرعة، فمنذ لحظة الاستيقاظ من فراشك صباحاً وأنت منهك.. نتيجة الأرق والتفكير والكوابيس والأحلام المزعجة أثناء نومك وحتى لحظة العودة إليه مجدداً جراء الصخب والعمل والسرعة طوال اليوم، لذلك فالبطء فن علينا مدحه حتى نستطيع أن نعيش.