الدولة المصرية فى الـ 10 سنوات الأخيرة امتلكت إرادة الإصلاح، وإيجاد حلول للأزمات والإشكاليات والقضايا العالقة والمزمنة التى تسببت على مدار عقود فى مشاكل وفتن ومعاناة، هددت الوطن والمواطن، والحقيقة أن (مصر – السيسي) تصدت للكثير من القضايا والتحديات، وتصدت بشجاعة وحسم، لكثير من الملفات، وخفضت المعاناة، سواء فى قرار الإصلاح الاقتصادى الشامل أو ملف حقوق الإنسان الذى حققت فيه طفرات وقفزات أو إصلاح منظومة الدعم، وفق قاعدة بيانات دقيقة وخفضت المعاناة فى قطاعات الصحة، وحققت العدالة فى توزيع عوائد التنمية واعادت الاعتبار للصعيد، والمحافظات النائية والريف المصري، وقضت على الكثير من المظاهر السلبية مثل العشوائيات، وأولت اهتماماً كبيراً بالمواطن المصرى وحققت إنجازاً كبيراً فى القضاء على الإرهاب والفوضى واستعادت الهيبة للدولة وأقامت دولة القانون والمؤسسات، وامتلكت إرادة جمع كافة الأطياف الوطنية من قوى سياسية وأحزاب، ومفكرين ونخب وخبراء على طاولة الحوار الوطنى انطلاقاً من التصدى لكافة القضايا والملفات، والوصول بتوافق إلى توصيات ومخرجات تدخل حيز التنفيذ فور إنجازها والانتهاء منها، وتصدت للعشوائية فى كل شيء، الممارسات الإعلامية التى تضر بالوطن والمواطن ولا تليق بمصر، وكذلك فوضى الكيانات التعليمية العشوائية غير المرخصة، والغش، لكن هناك قضية غاية فى الأهمية، وهى من يملك الحديث ومخاطبة الناس فى قضايا الشأن العام، خاصة الأمور الدينية، والفتاوى والهجمات على الدين من غير المتخصصين والجهلاء، وانصاف المتعلمين، ومرضى القلوب، تحت ذرائع وحجج واهية، لكن تظل القضية المهمة والسؤال الأهم: من يملك الحق فى الحديث فى أمور الدين وقضاياه وتفسيراته، ومن يخاطب الناس، ويرد على تساؤلاتهم، وهل من حق أى شخص من غير أهل العلم والذكر والتخصص أن يتحدث فى أمور تتعلق بالدين، ويصفها بالثواب والخطأ، وينتقد، ويشكك، وهو ليس متبحراً فى علوم الدين العميقة التى هى شأن أهل العلم والذكر ومن لهم الأهلية والجدارة.
أخطر ما يمكن أن يهدد أى مجتمع هو حديث غير المؤهلين والمتخصصين فى أمور الدين، وقد عانت مصر لدرجة الخطر الداهم قبل 2014 من جريمة الحديث فى قضايا وأمور الدين، ووقعت المنابر والمساجد بل والإعلام فريسة للمتطرفين والمتشددين ودعاة ورموز الإرهاب من عناصر الإخوان وباقى أذنابهم، ونشروا الفكر المتطرف والمتشدد وأطلقوا العنان لدعاوى الفتنة وانقسام المجتمع، حتى كادت البلاد تسقط، فقد تمكنت هذه الجماعات المتشددة والمتطرفة إلى حد الإرهاب من تزييف وعى الكثيرين وخداع وتضليل قطاع من الشباب الذى وقع أسيراً باحتلال عقلى لأفكار لا تمت للدين بصلة، وتفسيرات مغلوطة.
على الجانب الآخر، يخرج علينا فريق من دعاة الهجوم والتشكيك فى الدين، حتى وصل الأمر إلى التشكيك فى السنة النبوية، تحت مسميات باحث فى الشئون الدينية، وقد تربى هؤلاء فى دهاليز أعداء الدين وتستطيع أن تتأمل وتتدبر وتقرأ نقاط الهجوم على الدين فى أحاديثهم تراها تتسق مع أحاديث سابقة من مستشرقين وأعداء الإسلام، بنفس الآليات والتشكيك، ووصلت البجاحة إلى إنكار ثوابت اتفق عليها العلماء الأجلاء على مدار العصور.
من المهم تجديد الخطاب الديني، ولكن كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى بما يلبى التطور العصرى وبما يتسق مع صحيح الدين ولا يمس الثوابت الدينية، ودائماً يؤكد الرئيس السيسى على أهمية احترام الرموز الدينية، لأن الحديث فى الدين يحتاج علماً وعلماء ومتخصصين، ولدينا مؤسسة الأزهر العظيم، والأوقاف، والإفتاء، وكبار العلماء، لذلك علينا أن نتصدى لهذا الملف بحسم، حتى لو تطلب الأمر إصدار تشريعات، تخول العلماء وأهل الذكر ومن لهم الأهلية والجدارة والإجازة للحديث فى الدين، وليس لكل من هب ودب، أو من انصاف المتعلمين والهواة أو المدفوعين لبث التشدد والتطرف أو التشكيك فى الثوابت والسنة النبوية.
نحن لا نريد أقصى اليمين أو أقصى اليسار، لا تشدد أو تطرف أو تعصب، ولا تشكيك وتشويه أو جهل، نريد أن نسند الأمور لأهلها فالدين ليس من الأمور المستباحة حتى تتحدث فيها العامة، فهناك من كانوا يأخذون أمور دينهم على أيدى علماء أجلاء، اتفق عليهم الجميع والآن لدينا مؤسسات عريقة، عالمية مثل الأزهر، يتعلم منها الجميع فى شتى بلاد المسلمين، ويستعين بهم الغرب ودول العالم فى ترسيخ معالم الوسطية والتسامح والاعتدال ونشر صحيح الدين، بعد أن تعرض الإسلام للتشويه فى بلاد الغرب ووصم بالإرهاب لذلك حرصت هذه الدول على الاستعانة بالتجربة المصرية فى تحقيق التسامح، والوسطية، ووجدت ذلك فى أبناء الأزهر الشريف ولدينا المؤسسات الدينية التى تعمل على مدار الساعة فى الحفاظ على ما تحقق من تطهير المنابر وتحصينها ضد التطرف والتشدد والدولة لا تسمح بالمساس بالدين أو التشكيك فى ثوابته ونصوصه وتوفر كافة الامكانيات للعلماء أو إعداد وتأهيل الأئمة.
المريض يذهب إلى الطبيب لتلقى العلاج، وإذا أردت بناء عمارة أو مبني، تستعين بالمهندس، وإذا أردت الدفاع عنك أمام القضاء، تستعين بالمحامي، ويقول المولى عز وجل: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».. حتى من يرى فى نفسه القدرة على الحديث فى الدين عليه أن يحصل على رخصة من الأزهر بعد اختبارات ومناقشات عميقة، لكن لا يجب أن يكون التعامل مع الأمور الدينية عشوائياً، أو يكون الدين مستباحاً، من الجهلاء، أو المتطرفين والمتشددين أو المشككين والمتطاولين على الدين، وهذا الملف يحتاج تعاملاً حاسماً، وإجراءات واضحة تحفظ أمن واستقرار البلاد، وعقول ووعى العباد، وحتى لا نتعرض لما كان يحدث فى عقود سابقة، من انتشار فوضى الحديث فى الدين أو الإفتاء بدون علم وجدارة وأهلية، بل يمكن تجريم وتعظيم عقوبة من يتحدث فى الدين ويتصدى فى المنابر، أو يرد على تساؤلات وفتاوى الناس بدون أهلية.. لذلك هل يمكن أن يناقش الحوار الوطنى مثل هذه القضية، الدين وقضايا الشأن العام، ويستعين بكبار العلماء وأهل العلم والذكر، حتى نكمل منظومة الإصلاح ونضع إطاراً شاملاً لكل شيء.