من يضحكون فى مآتمنا دونما خجل ويبكون فى أفراحنا بكل وجل، هؤلاء أعداء تجرى الكراهية فى شرايينهم دون جلطات، أما هؤلاء الذين يسعدون لخير أصابنا ويحزنون لشر حاق بنا فهؤلاء منا ونحن منهم يحبوننا بتجرد ودون شروط والحب ينطلق فى شرايينهم وأوردتهم دون توقف ودون شروط، وبين هؤلاء وهؤلاء يقف أولئك القوم الذين لا يفرحون لفرحنا ولا يحزنون لحزننا، ولا يشعرون بنا، فإنهم قوم لا يرون إلا أنفسهم، صمتهم مقزز ودفاعهم خجول، إنهم (الرماديين)، تلك الكائنات الرخوة عديمة الملامح، الذين يتحركون فى المناطق الرمادية والمسافات البينية، لا يشعر أحد بوجودهم رغم أنهم يشغلون حيزا كبيرا من الفراغ، لا يحبون المواقف كل المواقف ويسخرون دوما من أصحابها كل أصحابها، يرفعون شعارات «مليش دعوة» و»أنا مالي» و»إمعة وأفتخر» الى آخر تلك المقولات الخالدة فى كتاب «تاريخ الكسالى والحمقى والإمعات» خطر هؤلاء الرماديين أنهم يأكلون على كل الموائد ويرفعون كل الرايات ويتحدثون بكل اللغات، يظهر هؤلاء وقت الرخاء ليشاركوا فى الأفراح ويعتبرون أن البيت بيتهم والفرح فرحهم، بينما يكون الاختفاء سنتهم وفرضهم وقت الأزمات فلا ترى منهم أحداً على الإطلاق، وربما ظهر أحدهم ليقف عكس التيار الذى كان يختبئ بين جنباته ليسجل موقفا ربما يقتات منه مستقبلا، واليوم أرى حولى الكثيرين من تلك الطفيليات الرمادية يحاولون العبث فى وقت لا يجوز فيه العبث، يحاول هؤلاء أن يكون لهم قول وتواجد على الطرف الآخر من النهر فى ظل التحديات الحالية التى تواجه دولتنا العظيمة فى كل الاتجاهات، لكن هؤلاء لا يعرفون قْدر مصر وقَدَرها فهى كبيرة وعريقة ومحروسة فى كل زمان ومكان وخاب الرماديون الذين يسكنون فى الحى الرمادي، فى هذا الحى الهادئ لا تسمع فيه صوت أحد على الإطلاق، فلا نقاشات، ولا حوارات، ولا معارك، ولا اشتباكات بين سكان هذا الحى فليس هناك موقف واضح فى أى قضية مطروحة على الساحة، فلا يتفاعلون مع الأحداث مهما كانت سخونتها، ولا يخوضون معارك، ولو كانت تحت وسائد أسِرتهم، أو فوق ستائر نوافذهم. يكتبون كثيرًا، لكن بمداد رمادى فى كل القضايا، لكنك لن تنجح فى الوقوف على آرائهم فى قضية ما، أهم معها أم ضدها؟ لا يستطيع أحد معرفة مقصد هؤلاء وتوجههم وآرائهم، هم كائنات رخوة، بلا مبدأ، ولا قيمة، ولا رأي، ولا موقف.. عاصرت هؤلاء كثيرًا فى لحظات مفصلية فى تاريخ الأمة، دائما ما يقيسون المسافات ويقدرونها قبل الإفصاح عن رأى ما فى المجتمع قضية ما، ولو كانت قضية بقاء وبناء وطن، لا يهتمون كثيرًا بمقومات حماية الدولة الوطنية، وما يرتبط بهذا الأمر بها من قيم التضحية والفداء والرجولة والشرف.. بقاؤهم فى المشهد هو الأهم، يرقصون مع كل طبلة، ويكتبون بكل الأقلام، ويرفعون كل الرايات، ويأكلون على كل الموائد، ويعد كل واحد منهم مشتركًا متعدد الفتحات، ويعمل بالكفاءة نفسها مع الجميع. فى الحى الرمادى لن تجد إلا أنصافًا فقط..، ونحن نقوم بتعداد سكان الحى الرمادى وجدنا العجب العجاب، استدارة فى لمح البصر، وسرعة فى تغيير التموضع وفقًا لبوصلة الهوى بين غمضة عين وانتباهتها، فمن الدفاع الخجول عن الدولة فى كل معاركها إلى الصمت المقزز مع أول أزمة تواجه المشروع الوطنى من جراء أزمة اقتصادية عالمية طاحنة، تجد هؤلاء يستبدلون بإشاداتهم العظيمة بالمشروعات القومية على سبيل المثال، انتقادات لاذعة للمشروعات نفسها، وبالحماسة نفسها.. تجدهم فى جلساتهم الخاصة يتهامسون «المركب رايحة على فين؟»، و»يا ترى البلد هتعدى من الأزمة الاقتصادية دي؟»، و»يا ترى الناس هتتحمل؟!».. هؤلاء ليس لديهم مبدأ ثابت يحاربون من أجله، فكل لديهم مصالح ثابتة تحققها مبادئ مرنة، وثوابت وهمية..