«أحياءٌ عند ربهم يُرزقون».. أبطالنا شهداء الواجب من أبناء القوات المسلحة المصرية، لم يبخلوا بقطرة من دمائهم فداء لتراب وطنهم، وقدموا أرواحهم.. للبلاد.
«فى بيت الشهيد» كان لقاؤنا مع «أم البطل» إيمان الغريب البيومى عبد العال، والدة الشهيد المقدم شريف محمد عمر والتى قالت «يشرفنى أنا والأسرة أننا قدمنا لمصر بطلين من خير أجناد الأرض هما ابنى الأكبر الشهيد المقدم شريف بالقوات المسلحة ـ رحمه الله وجميع الشهداء ـ وشقيقه كريم مقدم الشرطة بالأمن المركزي».
المقدم الشهيد شريف ترك لنا زهرتين جميلتين هما فريدة وفرح وأدعو الله أن يعوضنا بهما خيرًا عن والدهما البطل الشهيد، التحقتا بإحدى مدارس المتفوقين فى الإسكندرية.
وعن قصة استشهاد بطلنا تقول والدة الشهيد شريف: طلب بنفسه أن يخدم فى سيناء، التحق بسلاح المظلات فور تخرجه، ثم التحق بالمنطقة الغربية فى السلوم، وانتقل بعدها إلى الخدمة فى كلية ضباط الاحتياط فى فايد وتدرج حتى وصل إلى منصب قائد الأمن فى الكلية، ونظرا لتميزه كان مدير الكلية يجدد له كل عام من شئون الضباط، طلب شريف بنفسه نقله إلى سيناء وقت اشتعال الإرهاب الأسود، فأصر على أن يشارك فى خدمة وطنه.
التحق شريف بالعمل فى شمال سيناء فى عام 2015، لكن لم يكن يعلم بذلك من الأسرة سوى شقيقه بحكم عمله كضابط شرطة وخاله الكابتن شوقى غريب مدرب منتخب مصر الأسبق، ووالده كابتن محمد عمر مدرب منتخب مصر العسكري.. وعندما سألته عن سبب طلبه الانتقال إلى سيناء أجابنى بأن الكثير من الضباط سواء القدامى أو حديثى التخرج تكون رغبتهم الأولى الخدمة فى سيناء، فالجيش مصنع الرجال وأرواحنا جميعا فداء لتراب الوطن، وكان ذلك قبل استشهاده بأقل من أربعة أشهر.
وتغالب «أم البطل» دموع الفراق المختلطة بدموع الفخر: استودعت ابنى المقدم شريف عند الله، فأنا كحال كل أمهات الشهداء كنت قلقة عليه بسبب الأحداث الإرهابية المتتالية فى ذلك الوقت.
أثناء مرور جنازة أحد الشهداء سألت ابنيّ شريف وكريم «ياترى مين فيكم اللى هيروح الأول» فأجابنى الاثنان فى اللحظة نفسها قائلين «أنا» فبكيت بشدة حتى قال لى شريف مازحًا «أنا كده يا ماما اطمنت إنى لما أستشهد هتعيطى عليّ وهتعيطى جامد» فقلت له إننا استودعناكما عند الله الذى لا تضيع ودائعه، ولو كان لأحدكما نصيب فى الشهادة سينالها.
استشهد شريف فى 16 مارس 2016، وكان عمره 33 عامًا، وكنت حينها لم أره منذ أكثر من ثلاثة أشهر بسبب حرص القوات المسلحة على ملاحقة الارهابيين، وفى يوم استشهاده هاتفنى وكان صوته واضحًا لدرجة أننى شعرت أنه يجلس إلى جواري، وطلب منى أن أرسل له صورا لابنتيه، وأثناء حديثه فاجأنى بسؤاله «ماما.. انتِ هتزعلى لو جيت لك بكرة شهيد»، فشعرت بانقباضة فى قلبي، وطلبت منه عدم تكرار هذا الكلام، فأكد لى أنه يشعر بأنه سينال الشهادة، طلب منى أن أدعو له، فوجدتنى أقول «يارب يا شريف أشوفك فى أعلى عليين وأشوفك فى السما عالي» ولم أكن أعلم أنه بعدها بساعات سيأتينى شهيدًا، فابنى شريف أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وقد أخبرنى زملاؤه أنه كان مقبلًا على مهاجمة وكر للإرهابيين بشجاعة نادرة ولم يهب الموت فى سبيل أمن وطنه.
عن تلقيها خبر استشهاد ابنها المقدم شريف عمر تقول السيدة إيمان: كنا فى صباح ذلك اليوم نستعد لاستقباله فى إجازته وأوفى بوعده، لكنه أتانى فى هذا اليوم شهيدًا.. فى ذلك اليوم وجدت أحد أقاربه وهو زميل له كان معه أثناء المداهمة يكرر الاتصال بى عدة مرات ليطمئن عليّ فأحسست أنه يخفى شيئا عنى وحينها طرق باب البيت لأجد زميل والده بصحبة زميلين آخرين.. شعرت بالقلق على زوجي، وسألتهم عنه، حيث كان فى القاهرة فى مهمة عمل، فأخبرونى بأنه بخير، وأنه قادم فى الطريق.. رحبت بهم وعدت لإكمال المكالمة فوجدت ابن خال زوجى يحدثني، فأيقنت أن هناك شيئًا ما يتعلق بشريف فقلت له: شريف مات؟.. ثم غبت عن الوعى ولم أدرك ما حدث بعد ذلك.
وعندما أفقت قلت فى نفسى إنه قدر الله، وإن ابنى فى الجنة مع الشهداء والصديقين والحمد لله.
تم تكريم اسم ابنى والأسرة عدة مرات من جهات عديدة على رأسها تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية الذى كان لى شرف لقائه أربع مرات، حيث كرّم اسم الشهيد بوسام الجمهورية ودرع رئاسة الجمهورية، وكان لاسم الشهيد المقدم شريف عمر نصيب كبير من التكريمات سواء من القوات المسلحة أو الجامعات التى كانت تنظم ندوات تستضيف خلالها أسر الشهداء لنتحدث إلى الطلاب عن أبنائنا الأبطال وقصص استشهادهم وبطولاتهم وأطلق اسم الشهيد على مدرستين احداهما فى الإسكندرية والأخرى فى بئر العبد مكان كتيبته، وأطلق اسمه أيضا على أحد الكبارى المهمة فى الاسكندرية بأمر من الرئيس السيسى، وأُطلق اسمه أيضًا على دفعة فى كلية ضباط الاحتياط، إضافة إلى مسجدين بناهما باسمه زملاؤه أحدهما فى القاهرة والآخر فى السويس.
وجهت الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى لحرصه على تكريم أسماء الشهداء وأسرهم وهو ما يسعد أبناءهم ويزيد من احساسهم بالفخر، ليروا فى آبائهم المثل والقدوة، صارت فى عهد فخامته أسماء الشهداء معروفة للجميع، كما يحرص فخامة الرئيس على إقامة ندوات تثقيفية كل عام فى يوم الشهيد فى 9 مارس، إضافة لحرص فخامته الدائم على تهنئة أبناء الشهداء فى العديد من المناسبات، وتلبية كل مطالبهم ومطالب أسرهم.