هناك نظريات عديدة تتحدث عن اللحظة المنتظرة لنضوج الصراعات ووصولها إلى النقطة الفاصلة بين عقلية الانتصار الحاسم وعقلية الانتصار الرمادي، هذه النقطة تصل إليها الأطراف المتصارعة نتيجة الإنهاك الذى أصاب طرفى الصراع والوصول إلى مرحلة «الملل» وعدم القدرة على الحسم، هنا تعود ملفات ومقترحات التسوية التى كانت مرفوضة من قبل إلى الطاولة من جديد وبهذا نكون وصلنا إلى «لحظة النضج» والتى قد تصل بالصراع إلى نهايته وتمهد بشكل مفاجئ الأجواء لتحقيق نجاحات استثنائية وغير متوقعة، هذا النضوج يخرج متسللاً من بين ثنايا المأزق الذى يمر به طرفا الصراع، والثابت هنا أن «لحظة الإدراك « تسبق «لحظة النضوج «، فالمأزق موجود وصعوبة الحسم قد تكون واضحة لكن إدراك طرفى الصراع لهذا المأزق هو بداية الدخول فى مرحلة نضج الصراع، من هنا وبعيداً عن تفاصيل تلك النظريات وتقاطعاتها مع قضايا الصراع الجارية، هناك سؤال مبدئى قبل الشروع فى الإسقاطات المستهدفة، هل يمكن «إنضاج الصراع» بأدوات وآليات محددة؟ أم أن الوصول إلى هذه اللحظة المثيرة يحتاج إلى المرور بجميع نقاط ومحطات الصراع؟ هل يمكننا أن نختصر كل تلك المحطات التى يجب أن يتوقف فيها قطار الصراع القشاش ونستقل القطار السريع أو الطلقة؟ لماذا ننتظر أن يشتعل الصراع وتندلع الحرب وترتفع أصوات المدافع وتخفت أصوات الدبلوماسية وتقطع ألسنة دعاة السلام، ثم يتخيل كل طرف أنه قادر على هزيمة الطرف الآخر ومحوه من الوجود وتسيد الغاية بمفرده؟ لماذا ننتظر تحقيق نصر حاسم لن يأتى ومحو نهائى للآخر من المستحيل أن يتحقق؟ لماذا نضيع أوقاتنا فى متابعة «أفلام الصراع المملة» ونحن نعرف نهايتها بكل دقة؟ وهنا أتساءل هل وصل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلى فى غزة إلى لحظة النضوج؟ وهل أيقن كل من نتنياهو والسنوار أن كليهما بات فى مأزق شديد رغم التظاهر بعكس ذلك؟ هل وصلت الحرب إلى مرحلة «الملل» من زوايا الاهتمام الدولى والإقليمى والجماهيري؟ هل وصلنا إلى مرحلة التعايش مع الصراع ونبحث عن آليات ادارته وليس أدوات حله؟ وإذا كان الأمر عكس ذلك فكيف يمكننا التحرك للمسارعة فى إنضاج هذا الصراع وصولاً إلى النقطة المطلوبة لتحقيق الهدف النهائى وهو تسوية الصراع؟ وعلى صعيد منفصل تأتى الحرب الروسية- الأوكرانية كأحد النماذج المهمة التى يجب أن تخضع لدراسة معمقة حول نظرية «وضوح الصراع» فى تقديرى أن ذلك الصراع صمم وخطط له كى يكون صراعاً طويلاً ومملاً وعادياً وكلاسيكياً حيث إنه صراع خلق ليبقى لأطول فترة ممكنة، فهو صراع بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة والغرب من ناحية أخرى وتم اختيار أوكرانيا لتكون مسرحاً لتلك العمليات الكبري، فالصراع المحتدم بين حلف الناتو وروسيا ليس صراعاً طارئاً ومرحلياً لكنه صراع وجود، فتمدد الناتو شرقاً يهدد روسيا تنديداً وجودياً، لذلك اختارت روسيا أن تحول النزاع إلى صراع والصراع إلى حرب والحرب تكون طويلة منهكة ومستنزفة للأطراف الاخري، هنا الصراع لم يصل – وربما لن يصل – إلى لحظة النضج المرتقبة فى القريب، وربما استمر الصراع سنوات مثلما جرت حرب الشمال الكبرى التى اندلعت عام 1700 واستمرت حتى 1721، لكن بالعودة إلى حرب غزة فالوضع مختلف حيث إن من اختار قرار الحرب جماعة تحمل قدراً من النيران وقدراً من الأيديولوجية ولم تكن تعلم أين ستصل نيرانها وماذا ستفعل؟، لكنها طورت الأحداث وتسارعها على الأرض دون وجود إطار مخطط مسبقاً، فالحرب تسير يوماً بيوم ولحظة بلحظة لذلك أراها وصلت إلى لحظة النضوج التام الذى يستدعى التوصل إلى تسوية وإلا سيتحول هذا النضوج إلى حالة تعفن مسموم لا أحد يمكن أن يتنبأ بنتائجه الكارثية على الجميع.